بقلم غالب قنديل

ماذا يعني قرار ترامب ؟

غالب قنديل

أثارت خطوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتوقيع قرار اعتراف بضم الكيان الصهيوني لهضبة الجولان العربي السوري المحتل عددا من التكهنات التي تستدعي التوقف ومحاولة الوصول فعليا إلى أبعاد ومعاني هذا الموقف الأميركي وانعكاساته ودلالاته العميقة بما يتخطى مسارات السطح السياسي في الولايات المتحدة وكيان العدو.

اولا منذ قدومه إلى البيت الأبيض من خارج المؤسسة التقليدية في واشنطن واجه دونالد ترامب عاصفة من الحملات وكانت ذروتها الأخطر اتهامه بتلقي دعم روسي لحملته الرئاسية وتم فتح تحقيق قضائي في هذا الملف تدحرجت خلاله رؤوس كثيرة من المحيطين بالرئيس الأميركي وكان خيار ترامب هو الاحتماء باللوبي الصهيوني والالتصاق السياسي به واستحضار عتاة المحافظين الجدد من الصهاينة امثال جون بولتون وإليوت أبرامز ومايك بومبيو إلى مواقع رئيسية في الإدارة مضحيا بالعديد من أركان طاقمه الخاص.

ثانيا هذا الخيار الرئاسي تجسد في خطوات ومواقف أميركية غير مسبوقة تتخطى الحدود التقليدية لمبدأ الدعم السياسي والعسكري الأميركي المتواصل للكيان الصهيوني إلى صياغة صهيونية حرفية للمواقف الأميركية في المنطقة وهو ما انعكس بحرب لاهوادة فيها ضد اطراف محور المقاومة وباعتناق الحرب الشاملة على إيران سياسيا وإعلاميا واقتصاديا بعد الانسحاب من معاهدة الاتفاق النووي ومواصلة اختبار فرص الاختراق والتخريب الأمني كما تجسد أيضا في اخطر قرارين تتخذهما الولايات المتحدة من خلال اعترافها بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وبضم الجولان الذي اتخذ فعليا عام 1981 .

ثالثا ما يوضح مغزى توقيت القرار الأميركي هو التزامن المثير للاهتمام بين توقيع ترامب لقرار الاعتراف بضم الجولان وبين نشر تقرير المحقق مولر وإعلان وزير العدل خلوه من أي قرينة تبيح اتهام الرئيس الأميركي بما نسب إليه وإلى حملته الانتخابية وكأننا امام مقايضة سياسية متقنة وهبت دونالد ترامب صك البراءة مقابل توقيعه صك تكريس ضم الجولان باسم الولايات المتحدة.

رابعا لاشك ان الموقف الجديد ينهي عقودا من السياسة الخارجية الأميركية ومنذ مبادرة وزير الخارجية الأميركي الأسبق وليام روجرز الشهيرة عام 1970 التي قامت على مبدأ “مبادلة الأرض بالسلام ” وما تبعها من تحركات واتفاقيات وصفقات ومفاوضات تمت تحت الرعاية الأميركية في معظمها وتقيدت خلالها الدبلوماسية الأميركية على امتداد نصف قرن باعتبار الانسحاب الصهيوني من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 قاعدة ومنطلقا في أي تسوية ممكنة وكأساس لأي تفاوض عربي صهيوني وكانت تطالب المفاوض السوري والعربي التعهد بمقايضة استرجاع الأراضي المحتلة باعتراف سياسي وعلاقات اقتصادية مع إسرائيل تحت شعار التطبيع.

خامسا انهى دونالد ترامب تلك المرحلة بجرة قلمه فنال براءته وتوقفت جميع التحركات الناشطة التي جرت داخل الكونغرس الأميركي تحت عنوان عزل الرئيس بينما نال نتنياهو هدية سياسية اميركية عززت موقعه في الانتخابات المقبلة وشكلت تدعيما لمكانته المعنوية المهددة بزحف تحقيقات الفساد التي تحاصره بقوة ويطابق هذا التحول في العمق انعطافة في نهج الحلف الأميركي الصهيوني بعد هزيمة عدوانه على سورية وما تراكم من تحولات في توازن القوى على صعيد المنطقة من خلال شطب ما سمي بعملية السلام التي كانت أبرز الأدوات السياسية التي اعتمدت في نصف القرن الماضي لتثبيت الهيمنة الإمبريالية الصهيونية فالأولوية اليوم هي حماية الكيان الصهيوني من معادلات الردع التي بناها وراكمها محور المقاومة بعد سنوات الدم والدمار في سورية ولبنان والعراق واليمن وفي ظل المعركة المفتوحة بين العدو وشعب فلسطين المقاوم.

سادسا من الأكيد ان القرار الأميركي ليس مجرد تدبير شكلي وهو سياسيا يعني دفن عملية التسوية او ما يسمى عملية السلام في المسارين السوري والفلسطيني ولهذا التدبير صلة مباشرة بحصيلة هزيمة العدوان على سورية وهو يشي بتجذر موقف اميركي صهيوني يغلق أي رهان محتمل على التفاوض مع سورية التي تعرف واشنطن وتل أبيب انها صممت في مراحل سابقة من التفاوض مع الرؤساء الأميركيين على اشتراط تعهدات مسبقة بالانسحاب الكامل من الجولان قبل قبول الدخول في أي صيغة للمفاوضات كما حصل عشية الدعوة إلى مفاوضات مدريد في رسائل تأكيدات جورج بوش الأب ثم ما سمي بوديعة اسحق رابين التي تسلمها الرئيس الراحل حافظ الأسد.

سابعا سورية التي انتصرت مع محورها على اخطر حروب الولايات المتحدة التي شهدتها بداية القرن الواحد والعشرين خرجت قوية وصلبة واكثر تمسكا بسيادتها واستقلالها وبحقوقها وهي تحصن قوتها الفاعلة والمتجددة بشراكات وتحالفات يجسدها الوجود العسكري الروسي والحضور المباشر لإيران وحزب الله كشريكين في معادلة الصمود والمقاومة ولا مجال للتكهن بما يمكن ان يستجد من مشاريع التشبيك الاقتصادي والتعاون الدفاعي الاقليمي الموضوعة على طاولة الاهتمام في دمشق وكانت اولى البوادر صورة اجتماع رؤساء الأركان برئاسة الرئيس بشار الأسد في قصر الشعب.

ثامنا البديل الواقعي والمجرب لخيارات التفاوض التي انهمرت مشاريعها على المنطقة منذ هزيمة 1967 هوخيار المقاومة لتحرير الأراضي المحتلة الذي برهن على جدواه في لبنان وغزة وفرض هرولة صهيونية وتقهقرا كبيرا كما انتزع من يد العدو زمام المبادرة للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الصهيوني .

هذا التحول سيقود إلى وضع جديد لن تلبث ان تظهر معالمه في سياق مبادرات محور المقاومة للرد على الحلف الأميركي الصهيوني وفقا لجدول اولويات مشترك بينما يتضح ان الخطوة الأميركية لها انعكاسات وتداعيات تجعل حياة الحكومات العربية التابعة للهيمنة صعبة وهي تهدد بالتالي ما يسمى بصفقة القرن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى