بقلم غالب قنديل

مئة وسبعون ألف تحية للأمن العام

غالب قنديل

عندما تتحدث الأرقام والوقائع يخرس الضجيج وتتخذ الأشياء معانيها الحقيقية فوظيفة الضجيج المسعور والتحريضي ضد الشقيقة سورية وبالذات ضد عودة النازحين والمبادرات التي انطلقت من قنوات التنسيق اللبناني السوري التي أرساها اللواء عباس ابراهيم ونظمها من خلال المديرية العامة للأمن العام فاستطاع بقوة الوقائع وبمنطق الحق الوطني السيادي أن يخاطب الجهات المعنية ويؤثر في خارطة المواقف استنادا إلى ما سمعه الموفدون الأمميون والأجانب مباشرة من الرئيسين ميشال عون ونبيه بري حول رفض لبنان لربط عودة النازحين بما يسميه الغرب بالحل السياسي إضافة إلى التصميم على التنسيق مع الدولة الوطنية السورية في هذا الملف.

حصاد مبادرات الأمن العام بات يفقأ العيون بمئة وواحد وسبعين ألفا من العائدين السوريين إلى الوطن نسقت تفاصيل عودتهم مع السلطات السورية واطلع على احوالهم ميدانيا مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي بعدما امضى ثلاثة أيام في سورية متفقدا تجمعاتهم وظروف حياتهم فشهد للمؤسسات السورية برعاية متقنة لمواطنيها العائدين.

ما قاله غراندي في بيروت بعد تلك الزيارة يسقط اكاذيب كثيرة عممها حاقدون سبق ان تورطوا في العدوان على سورية ولا يريدون النجاح لمبادرات العودة التي اخذها الأمن العام اللبناني على عاتقه انطلاقا من الثقة التي يحظى بها مديره العام في لبنان وسورية على السواء وهو كان في الفترات الماضية قناة التواصل الرئيسية بين الدولتين إضافة إلى السفارتين والسفيرين في بيروت ودمشق وامين عام المجلس الأعلى اللبناني السوري.

بقدر ما يبدو ملف عودة النازحين مهما ومركزيا بالنسبة للمصالح اللبنانية والسورية على السواء بقدر ما ان الإنجاز المحقق كبير ومهم وهو يعكس اتجاه التعامل السابق مع قضية النزوح التي قامت على ضفافها شبكات تجارة سياسية ومالية وابتزاز وتآمر ضد سورية ولبنان معا.

الذين يثرثرون عن مصاعب العودة والمخاطر التي تحف بها هم انفسهم الذين شتموا النازحين عندما زحفوا إلى سفارتهم في بيروت لينتخبوا الرئيس بشار الأسد ورفعوا صوره والعلم الوطني السوري في اوج العدوان على بلدهم.

النشاز الاعتراضي لا يطمس الإنجاز الميداني وهو صدى للتعليمات الغربية بالعرقلة لاستخدام النزوح في ابتزاز لبنان وفي الضغط على سورية ويقينا إن ما يتعرض له الأمن العام من ضغوط وحملات تشويش في مواضيع لبنانية داخلية مختلفة من قبل يعض الجهات الدولية ما هو سوى محاولة انتقام من كسر هذه المؤسسة وقائدها لأخطر حلقات المؤامرة التي تستهدف لبنان وسورية والمتمثلة بملف النزوح.

البرهان العملي الذي قدمته مبادرات اللواء عباس ابراهيم التي انطلقت متواضعة جدا في البداية يقلب المسار وبالتراكم والاستمرارية والمثابرة على التنسيق وصلنا إلى رقم مئة وواحد وسبعين ألف عائد رغم العراقيل الداخلية والخارجية الكثيرة.

إنه إنجاز غير قليل لو وضعنا في الحساب ان هذا العدد من الأشقاء السوريين يمثل نسبة مهمة من النازحين الفعليين في لبنان مع اعتبار المبالغات وعمليات التضخيم المتعمدة التي تهمل أرقاما كثيرة تتصل بالعاملين السوريين في لبنان والمقيمين بدافع العمل او الحصول على مساعدات النزوح.

الإصرار اللبناني على دعوة الجهات الدولية لتجيير دعمها المالي لأماكن العودة داخل سورية هو موقف صائب وفي محله فنيات الغرب معلنة ومشبوهة وغايتها إدامة مخيمات النزوح داخل لبنان وهذا الخطاب اللبناني الرسمي الجديد يثير اعصاب المستفيدين وصيادي المواسم من الجهات اللبنانية النافذة التي اعتاشت على موارد الحرب التي استهدفت الشقيقة سورية من لبنان بجميع مستوياتها السياسية والإعلامية والأمنية وخصوصا “الإغاثية “.

منذ البوسنة وأفغانستان يكتشف من يدرس الحروب الأميركية المعاصرة في العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي سواء كانت مباشرة ام بالوكالة ويعرف بوضوح كيف تم تحويل نزوح ملايين الهاربين من الجحيم الذي أشعلته القنابل الأميركية وأصابع الاستخبارات المركزية إلى مادة استثمار واستغلال سياسية وامنية ومالية عبر منظومة من المؤسسات الدولية والأممية التي تهيمن عليها واشنطن وتقودها في خدمة حروبها بينما تدعي في الظاهر انها تريد تخفيف آلام الحروب والحد من تأثيرها والكذبة والخدعة ملازمتان باستمرار لاستراتيجيات الحرب الأميركية المعاصرة عملا بنظريات ليو شتراوس غير البعيدة عن ابتكارات النازي غوبلز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى