بقلم غالب قنديل

التنسيق السوري العراقي الإيراني

غالب قنديل

خلال الشهر الماضي حققت دول المشرق الثلاث سورية والعراق وإيران وثبة في علاقاتها الاقتصادية ووقعت اتفاقات مهمة بتطوير التشبيك التجاري والمصرفي وبتوسيع عمليات النقل بين البلدان الثلاثة عبر الربط البري بالسكك الحديد وتسهيل انتقال البضائع والأفراد وقد تمت هذه التحولات بموجب اتفاقات ثنائية وقعتها مع إيران كل من الحكومتين السورية والعراقية كما شهد هذا المثلث الشرقي محطتين هامتين هما الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى طهران ولقاؤه بالمرشد السيد الخامنئي وبالرئيس روحاني الذي كان لزيارته اللاحقة إلى بغداد أثر كبير في تفعيل العلاقات الثنائية والارتقاء بها .

وقفت إيران بقوة خلال السنوات الماضية إلى جانب سورية والعراق في مجابهة غزوة التكفير والإرهاب وقدمت الكثير في الدفاع عن البلدين الشقيقين فوظفت إمكانات ضخمة اقتصادية وعسكرية وامنية ولوجستية وقدمت العديد من الشهداء من بعثات المؤازرة والمساندة العسكرية لدعم جهود عراقية وسورية رسمية وشعبية عبرت عن إرادة الصمود والمقاومة ضد غزوة القاعدة وداعش ومحركيها المعروفين من الخارج بقيادة الولايات المتحدة.

يمثل اجتماع رؤساء الأركان الثلاثة في دمشق محطة مميزة لتطوير الشراكة في المعركة ضد فلول الإرهاب وجيوبه الباقية في الجغرافية السورية والعراقية ولاسيما في المناطق الحدودية المشتركة وهي تمثل مصادر خطر وتهديد ضد أمن البلدان الثلاثة بل وضد امن المنطقة برمتها.

لقد كشفت الأحداث خلال السنوات المنصرمة الأخيرة ان قدر بلدان المنطقة هو توحيد قدراتها وإمكاناتها بحكم الترابط السكاني والجغرافي ومصالحها الاقتصادية البديهية ونتيجة مصادر التهديد الواحدة التي تتربص بها وبفرص تقدمها وتطورها.

ما يجري التفاهم عليه الآن من تنسيق وشراكة تأخر كثيرا بمعيار التحديات التاريخية الناشئة عن الصراع ضد منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية ومن السافر جدا ان الأميركي يركز على منع التواصل الثلاثي بأي ثمن من خلال التصميم على حماية جيوب الإرهاب واعتراض طرق الحسم وتحويل المواقع الأميركية في سورية والعراق إلى نقاط اعتراض وتدخل لمنع تطور انماط التواصل والتشابك والتنسيق العسكري والأمني بين الدول الثلاث.

لقد ركزت الجهود الاستعمارية الغربية منذ مطلع القرن العشرين على منع أي شكل من التواصل العراقي السوري بينما كانت في إيران اخطر واهم الحكومات التابعة التي تنفذ المشيئة الغربية الصهيونية في المنطقة وبعد الانتهاء الافتراضي للانتداب الفرنسي البريطاني وقيام الكيان الصهيوني تركزت الجهود الاستعمارية على منع أي نمط من التكتلات الإقليمية التي تناهض الهيمنة الغربية الصهيونية على الشرق العربي وكان نظام الشاه في صدارة الأحلاف المعادية لحركة التحرر والاستقلال التي قادها رافدان عروبيان هما الناصرية والبعث الذي لم تكن الخصومة بين جناحيه السوري والعراقي بعيدة عن أصابع الغرب الخفية والفاعلة في بغداد خلال الستينيات والسبعينيات وما بعدها كما تكشف مذكرات العديد من القادة في تلك الحقب وصولا إلى الحرب العراقية الإيرانية بعد انتصار الثورة الإيرانية المناهضة للهيمنة.

يدرك الغرب ومخططوه ما يعنيه توحيد الجهود السورية العراقية والإيرانية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا والاختبار الأهم لتلك الحقيقة لم يطوه الزمن فقد دحرت غزوة التكفير وبقيت جيوبها المحاصرة في الحضن الأميركي المباشر او المستعار … صحيح لم تعلن صيغة اتحادية ولا سوق مشتركة او معاهدة دفاعية ثلاثية لكن أبرز عناصر القوة كان ما تجسد في المعركة التي خاضها هذا الحلف لدحر داعش عبر قيام غرفة عمليات موحدة لتنسيق الجهود ولتبادل المعلومات بين الدول الثلاث ومع الشريك الاستراتيجي الروسي الذي ساهم في المعركة بجهود جبارة لا سيما في الميدان السوري.

تكامل الجهود السورية العراقية الإيرانية أفشل غزوة داعش والقاعدة في فصولها الأخطر التي امل المخططون الأميركيون ان تدوم لعقود وان تقيم كيانا لا يستهان بحجمه يخترق الجغرافية العراقية السورية وهذا سر اختيارهم لتسمية الدولة التي اطلقوها على حركة إرهابية من سلالة القاعدة وتصميمهم على تعميم التسمية إعلاميا.

كانت الغاية الأساس منع أي تواصل بين سورية والعراق وإيران يخيف الدوائر الصهيونية التي تدرك أثره على توازن القوى الإقليمي لاسيما بعدما أفضت حركة مقاومة الإرهاب والتكفير إلى نشوء قوة شعبية عراقية منظمة هي الحشد الشعبي الذي تخشى إسرائيل انضمامه إلى جبهة الجولان او الجنوب اللبناني في أي حرب قادمة ليقاتل إلى جانب الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية.

القيادات المعنية في إيران والعراق وسورية مطالبة بدراسة الخطوات اللازمة لتعزيز التكامل والتواصل ولتعطيل مفاعيل التخريب الأميركي والتركي الهادف لمحاصرة إرادة العمل المشترك والمصالح المشتركة بين اطراف مثلث الشرق الذهبي وعسى لقاء رؤساء الأركان يكون اول الطريق إلى صفحة جديدة من تاريخ هذا الشرق بفتح خطوط الوصل والتخلص من العوائق الكثيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى