بقلم غالب قنديل

هل يمكن عزل لبنان عن المنطقة ؟

غالب قنديل

تثير القلق الأميركي أي بادرة للتعاون الإقليمي في المنطقة وقد بات معروفا ان الضغوط الأميركية تمنع أي تطوير جدي في التعاون الأردني السوري او في التعاون العراقي السوري كما يدرك المخططون الأميركيون أيضا أن منع لبنان من القيام بخطوات جدية في هذا الاتجاه يبقي على الاعتلال الاقتصادي والمالي ويسمح باسترهان لبنان لنادي باريس للديون وكل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كركيزة مادية لمحاولات الضغط السياسي والاقتصادي التي تستهدف المقاومة وجمهورها. الدينامية التي حركتها إيران على خطي الشراكة الاقتصادية مع سورية والعراق مؤخرا تأخرت كثيرا فقد كان يفترض ان تنطلق تلك الشراكة بين سورية وإيران مع قيام التحالف الذي ربط الدولتين في مجابهة العدو الصهيوني ومشاريعه قبل ما يزيد ثلاثين عاما وفي الحالة العراقية تأخرت تلك الخطوات للتشبيك الاقتصادي عشر سنوات أي منذ القرار الأميركي بسحب قوات الاحتلال على الأقل ورغم كل من يقال عن الحضور الإيراني في لبنان فإن السلع الإيرانية المنشأ لا تحضر في الأسواق إلا عبر المعارض الموسمية وقد كشفت السنوات الأخيرة عن هزال العلاقات الاقتصادية السورية اللبنانية خلافا لما كان يفترض قيامه بموجب الاتفاقات العديدة التي ما تزال سارية حتى اليوم من الناحية المبدئية.

رغم كل ما فات لابأس من ترداد القول المأثور “ان تأتي متأخرا خير من ألا تأتي ” فالشراكات الاقتصادية في مجالات الطاقة والسكك الحديد ونقل البضائع والأفراد والتسهيلات المصرفية وتنشيط مجالات الاستثمار المشترك وتبادل الخبرات تبشر بتحولات اقتصادية هامة ومفيدة للبلدان الثلاثة إيران وسورية والعراق وهي نواة لسوق مشتركة على مستوى المنطقة لو توافرت لها الرعاية الكافية من الحكومات المعنية ويمكن ان تتحول إلى نقطة جذب محفزة لدول عديدة عربية وغير عربية .

إن الجوار العربي الإيراني يسهل تطوير العلاقات وتوسيع مجالات المنافع المتبادلة بين الشعوب وكذلك يمثل التشابه الثقافي والاجتماعي بين العرب والإيرانيين والقيم والمعايير المشتركة على الصعيدن الاجتماعي والاقتصادي فرصة لبلورة قوة شرقية منتجة وفاعلة ومستقلة فما تختزنه الدول الثلاث من إمكانات وثروات توفر فرصا عظيمة للبناء والتقدم لتكوين كتلة إقليمية متطورة ونامية ومستقلة.

ترمي الولايات المتحدة بثقلها لتقطيع الأوردة بين دول المنطقة ولتعميم نماذج التطبيع مع الكيان الصهيوني وهي نماذج تستبطن هيمنة اميركية صهيونية على المنطقة العربية تقحم فيها واشنطن جميع الحكومات التابعة والمذعنة لأوامرها وهنا تقع المسؤولية على الدول الثلاث التي تحركت أخيرا لترسي شراكاتها الإقليمية.

حسن ان تقرر طهران وبغداد ودمشق عدم البقاء متفرجة لتقدم نموذجا في الندية والتكافؤ والتقدم التقني والعلمي والتعاون المتسارع الذي يعظم من معدلات النمو الاقتصادي ويقوي دعائم الاستقلال.                       لا يمكن الاستهانة بقدرات الكتلة التي تضم العراق وسورية وإيران وهي من البوابة الإيرانية تتصل بشرق آسيا والصين وتوفر لشريكيها العربيين طرقا سهلة وسريعة إلى باكستان والهند وجمهوريات آسيا السوفيتية السابقة إلى أسواق رحبة وفرص مستجدة لم تكن تولى اهتماما في السابق وحيث يمكن للخبرات الإيرانية ترشيد الشريكين السوري والعراقي في سبل التعامل مع هذه الأسواق ومزاياها لأنها كانت الأسبق إليها.

تفيد المعلومات المتداولة ان الضغوط الأميركية التي استهدفت الحكومة الأردنية بعد المؤتمر البرلماني العربي غايتها قطع الطريق على تطوير الشراكات الأردنية مع العراق وسورية بل إن ضغوطا أميركية موازية على بغداد استهدفت العلاقات السورية العراقية نفسها وهذا ما يمثل عقدة في طريق المثلث الإقليمي الذي يخشى الأميركيون نجاحه في تغيير وجه المنطقة.

سيجد لبنان في الحركة العراقية السورية الإيرانية فرصا كثيرة مهمة ونوعية إذا أحسن التقاط الظروف السانحة فالعراق هو اول الشركاء التجاريين للبنان تاريخيا وسورية هي بوابة العبور الحصرية إلى المحيط العربي وإيران بأسواقها الواعدة وقطاعاتها المنتجة الصاعدة توفر فرصا هامة للإقتصاد اللبناني وما يتناساه بهاليل القطيعة ان الزمن لم يطمس بعد حصاد السنوات العجاف وعجائبها الممسوخة من نوع التصدير البحري للمنتجات الزراعية والصناعية وغيرها من منتجات عبقرية العزلة والقطيعة والعداء بلا حدود.

المنطق يقول أن على لبنان التحرك نحو مبادرات هجومية لفتح طرق التواصل والتبادل على مصراعيها مع الأشقاء الثلاثة بالتوازي مع علاقاته التقليدية المتينة مع دول الخليج ومصر والأردن وهذا ما يستدعي مواجهة مستحقة مع الضغوط الأميركية التي يمكن موازنتها بتطوير العلاقات اللبنانية مع روسيا والصين وامتلاك ناصية التقاطع بين سائر الأطراف الفاعلة اقتصاديا في المنطقة على استثمار مزايا الشراكة مع لبنان اما انعزال لبنان في علب المحظورات الأميركية السعودية فسيكون اختناقا وانتحارا لعيون من لا يريدون لنا خيرا ولا منفعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى