بقلم غالب قنديل

قائد الفدائيين وزعيم الصيادين والفقراء

غالب قنديل

تمر ذكرى الشهيد معروف سعد الزعيم الشعبي الوطني الذي ما يزال اغتياله جريمة مكتومة في ملف فارغ احيل إلى المجلس العدلي وتطمس بذلك حقائق كثيرة اخطر من جريمة الاغتيال فثمة خطة محكمة لاغتيال القيمة التاريخية لهذه الزعامة الشعبية العروبية المقاومة في سياق تشويه الوعي وتصعيد العصبيات المذهبية لخنق فكرتي المقاومة والعروبة اللتين تشبث بهما طيف لبناني عريض في السبعينيات من القرن الماضي وتلك هي الأهداف التي أضمرت من يومها قلب الوقائع وطمس الحقائق.

لم يكن معروف سعد مجرد سياسي لبناني انتخب نائبا ومارس العمل العام فقبل كل شيء هو قائد قوة الفدائيين اللبنانيين الذين هبوا إلى فلسطين العربية ليقاتلوا جحافل الغزوة الصهيونية لاحتلال فلسطين وتشريد شعبها واستعمارها تحت حماية الاحتلال البريطاني وهنا بداية مشواره البطولي القومي والوطني.

أشارت نصوص محاضر مفاوضات الهدنة عام 1948 إلى هذا القائد بالاسم وبالصفة ذاتها أي قائد الفدائيين اللبنانيين على جبهة فلسطين عندما شملت المقاومة اللبنانية المقاتلة ضد الصهاينة بترتيبات وقف القتال إلى جانب الجيش اللبناني الذي قدم شهداءا وأبطالا ومعه الفدائيون الذي قادهم بطل من صيدا هو معروف سعد.

يمكن لمن يشاء التبحر في تكهنات حول المسؤولية عن تدبير جريمة الاغتيال أن يدرج الثأر الصهيوني من قائد المقاومة اللبنانية الذي ظل على عهده رافضا لوجود الكيان الصهيوني حاضنا لكل مقاوم وفدائي عربي وبات بعد النكبة بسنوات رمزا للتيار العروبي الناصري التحرري في لبنان.

كان هذا البطل الشعبي والقائد المقاوم خصما عنيدا للصهيونية وللإمبريالية الأميركية وللاستعمار الغربي وللرجعية العربية وليس فحسب عدوا لشركة بروتيين الأميركية التي أعطيت من النظام اللبناني التابع امتياز نهب الثروة السمكية وقطع ارزاق الصياديين فانتفض كعادته انتصارا للفقراء وهبت معه صيدا وكانت الجريمة البشعة التي ما زالت منذ ذلك الحين مقيدة ضد مجهول في أفظع فضيحة لنظم التحقيق والعدالة البائسة في مستعمرة اسمها لبنان وفي مسار تحمل مسؤوليته الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ تلك اللحظة التي دبر فيها الاغتيال لإشعال حريق كبير ما تزال آثاره وتداعياته مستمرة فلغز الاغتيال المطلوب كشفه هو دور المخابرات الأميركية والصهيونية في التخطيط والتدبير وليس فحسب كشف الأيدي اللبنانية الآثمة التي كلفت بالتنفيذ ولذلك قطعت خيوط التحقيق كل الفرص للوصول إلى حقائق واضحة ودامغة.

النائب معروف سعد كان مخلصا لهويته الشعبية والقومية والوطنية وتصرف شكلا ومضمونا بامانة شديدة لهذه الصفات التي اكسبته ثقة لم يحظ بها سواه وهومثل علامة فارقة في السياسة اللبنانية منذ البداية وباغتياله كان النظام اللبناني والحلف الأميركي الصهيوني الداعم له يسدد ضربة قاتلة للتيار العروبي الوطني في كل لبنان وبالذات في صيدا عاصمة الجنوب الذي كان محط أطماع الصهاينة منذ قيام كيانهم الاستعماري بدعم من دول الغرب الاستعماري.

لا تنفصل جريمة اغتيال معروف سعد عن مسار المخطط المعادي بجميع عناصره وهو ما تكشف في مشهد التطورات والأحداث اللاحقة لجريمة الاغتيال وخصوصا إشعال الحرب الأهلية والمذابح الطائفية والغزوات الصهيونية المتواصلة حتى العام 1982 ومحاولة تكييف شخصية صيدا والهيمنة على قرارها الشعبي والسياسي واختراقها لصالح النظام السعودي ومن انتدبهم بالمشيئة الأميركية.

كل ما جرى بعد الاغتيال الإجرامي يوجز الأهداف التي تقدمتها تصفية المقاومة الفلسطينية واقتلاعها وإخضاعها وتفتيت الشعب اللبناني بالعصبيات الطائفية والمذهبية والعبث بخيارات اللبنانيين وبموقفهم من كيان العدو الطامع الذي كرس معروف سعده وتياره السياسي جل كفاحه لمجابهة خططه ومشاريعه في المنطقة بتصميم وصلابة كبيرين استمدهما من الفقراء الذين كانوا رفاق دربه وبحره العميق.

كان وعي معروف سعد لترابط القضيتين الوطنية والاجتماعية أهم واخطر ما أرعب الحلف المعادي ولذلك استهدفوه ليضعفوا الحركة الشعبية المناهضة للهيمنة وللنظام المتخلف الفاسد المبني على القهر الطبقي للفقراء وعلى الاستغلال البشع وأرادوا شطب رمز مقاوم قاد القتال في فلسطين وآمن بفكرة التحرر الوطني وبفكرة الوحدة العربية ولم يكن معروف سعد في خطابه طائفيا او مذهبيا بل كان صارما في لغته الشعبية والوطنية العروبية وهو لبنانيا كان من أبرز رموز النضال للتخلص من النظام الطائفي وتعبيراته العنصرية.

ميراث معروف سعد يتجدد ويترسخ من خلال التيار الذي يقوده النائب أسامة سعد وهو جدير بأن يكون من أبرزأعمدة مدرسة وطنية أثبتت التجربة التاريخية صواب ما ناضلت من اجله وما دعت إليه بكل صلابة فحاربت الطائفية في ذروة الطوفان المذهبي ولم تتخل عن هويتها المقاومة رغم كل ما تعرضت له من اضطهاد وغواية على يد الرجعية اللبنانية التابعة للهيمنة الأميركية السعودية في نسخها القديمة والجديدة وقد حملت الراية فتصدرت حركة التحرر الاجتماعي والوطني في لبنان حتى اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى