بقلم غالب قنديل

ماذا يقصدون بالخصخصة في لبنان ؟

غالب قنديل

عندما ظهرت الخصخصة في الغرب مطلع الثمانينيات من القرن الماضي كانت ناتجة عن انحسار ظروف المواجهة مع الاتحاد السوفيتي التي فرضت توجهات اقتصادية واجتماعية اتخذتها النظم الرأسمالية في الغرب الاستعماري بدافع تحصين شعوبها ضد مفاتن الإشتراكية وهكذا وجدت النيوليبرالية فرصها السانحة في تناهش واقتسام تركة دولة الرعاية من مرافق إنتاجية ومؤسسات اقتصادية كانت تحتكرها الدول وقد تنافست الشركات الخاصة الكبرى للاستيلاء عليها بعد تراجع النموذج الاشتراكي ثم انهيار الاتحاد السوفيتي وقد دشنت التاتشرية في بريطانيا والريغانية في الولايات المتحدة ذلك العهد ومع انتقال الموجة إلى النظم الرينانية في فرنسا وألمانيا ظهرت ضوابط اشترط إرفاقها بالخصخصة واهم ما فيها سن قوانين منع الاحتكار ومراقبة الأسعار والمواصفات في الأسواق وكان ذلك في سائر دول الغرب مضمون مطالب التحركات النقابية والشعبية التي تولدت بنتيجة الخصخصة وانكفاء دور الدول وتقليص التقديمات الاجتماعية تحت شعار ترشيق هياكل الدول وهو اليوم شعار لبناني مستعار وسن سيدر في خدمته مبدظا منع التوظيف.

الخصخصة التي عرفناها في لبنان بعد الحرب هي قرينة التقاسم الطائفي والسياسي الذي انتجه النظام اللبناني وهي شملت جميع القطاعات والمجالات الخدمية المرتبطة بالدولة والتي طرحت للتلزيم وتم تقاسم التراخيص والاستثمارات بين القوى المكونة للسلطة فما تمت خصخصته في لبنان هي الخدمات الرئيسية التي احتكرتها الدولة تاريخيا من خلال المؤسسات العامة فليس في لبنان قطاع إنتاجي تملكه الدولة كمناجم الفحم الحجري البريطانية ومكتشفات النفط والغاز ستلزم لشركات أجنبية وفقا لدفاتر شروط وما كانت تملكه الدولة من مرافق النقل العام تم تدميره والإجهاز عليه من قبل نظام الطائف سواء شبكة النقل العام التي تشهد بوفاتها جثث الأتوبيسات او مصلحة السكك الحديدية التي بقيت منها ممتلكات عقارية أفلتت من براثن سالبي المشاعات البحرية وقد أسقطت مسألة اعتماد القطارات كنقل عام من أي حساب منذ التسعينيات لصالح وكلاء شركات السيارات الأجنبية بحيث حرم اللبنانيون من فرص اعتماد نظام لنقل الأفراد والبضائع سريع وآمن وأقل كلفة رغم توافر عروض كثيرة رفضتها الحكومات الإعمارية المتعاقبة رغم كون هذا الحل يخلص المجتمع من مجموعة مشاكل دفعة واحدة فهو يختصر المسافات بين الريف والمدن ويحافظ على البيئة بتخفيض استهلاك الوقود ويخفض الحاجة إلى استعمال وسائل النقل التي تستهلك البنزين والمازوت.

خصخصة التقاسم تم تحديثها في سيدر وخرجت بنسخة مودرن هي الشراكة مع شركات اجنبية وقد فتح ذلك الدروب امام عدد من الشركات مثل شركة كهرباء فرنسا التي استثمرت موقعها كاستشاري لكهرباء لبنان منذ الطائف للحصول على قواعد البيانات التي تسمح لها بمعرفة دقيقة بتفاصيل القطاع وبالفرص المتاحة لاستثماره وهكذا تنحو الخصخصة اللبنانية تحت الوصاية الجنبية إلى تقطيع اوصال القطاع وتحويله إلى حصص بين الرأسمال الأجنبي الموصى به من دول الهيمنة الأجنبية وحيث يترك هامش للوكلاء المحليين ولمن شاء التنافس من شركات تابعة لمجموعات التقاسم السياسي في السلطة ولمن يرد تكوين فكرة عن النموذج اللبناني للخصخصة يمكن دراسة ملف النفايات الذي سحب من البلديات المنتخبة واوكل إلى شركة خاصة وعندما قال اهل النظام بإصلاح الملف كانوا يعدلون صيغ التقاسم المالي للريع وانبثقت من الشركة المركزية التي كانت مختبر الخصخصة لتوليد شركات محلية تعكس هوية القوى النافذة سياسيا في كل من المناطق اللبنانية وفقا لمذكرة اميركية صدرت بعد حرب السنتين.

في لبنان لاتوجد قوانين فعلية تنظم منع الاحتكار وتفرض آليات ومواصفات مانعة لتشكل اتحادات احتكارية في أي قطاع او تفرض احترام قواعد المنافسة لصالح المواطن وفرص تقديم الخدمات بأقل أسعار ممكنة مع مراعاة نوعيتها وتحديد قواعد المراقبة.

ما واجهه البلد في تجربة الهاتف الخلوي انطلق بأبشع عملية تقاسم سياسي في صفقات مشبوهة لم يحاسب عليها أي من أبطالها في حينه وقد اشتركت فيها شركات اجنبية من فرنسا والسويد وغيرها إلى ان اختار الرئيس إميل لحود وزيرا خبيرا وإصلاحيا راجع العقود والملفات ليحصل للدولة عائدات باهظة تقاسمتها الشركات والمجموعات السياسية النافذة لسنوات قبل تعيين المهندس جون لوي قرداحي وما تزال مليارات قرداحي السنوية أحد اهم مصادر تمويل الخزينة من خارج سندات الدين العام بالعملة الوطنية وبالعملات الأجنبية والمجال الجديد الذي قد يلزم بانتظار قرداحي ما بعد سنوات واليوم تقتحت عليه عيون الطامحين في الخارج والداخل هو الشبكة الهاتفية الثابتة وخدمات الأنترنت المرتبطة بها وسيلحقها وضع اليد على القطاع الإعلامي واستثماراته وخدماته المستندة إلى الاتصالات وتقنياتها الحديثة الأرضية والفضائية ولهذا السبب تم تعطيل خطة البث الرقمي الأرضي في لعبة تقاسم اخرى تشبة تقاسم التراخيص الإعلامية بعد الحرب.

قلنا منذ البداية إن سيدر هو صيغة للوصاية الأجنبية على الاقتصاد تناقض أبسط مباديء السيادة والاستقلال وستكون النتائج القادمة برهانا على ذلك وكلمتنا لمن يريدون إصلاحا ان تجميل المستعمرات المستباحة لا يجعلها حرة فكروا بكيفية التخلص من الوصاية الأجنبية وأعيدوا حساباتكم اولا فثمة خيارات كثيرة في الداخل والخارج يمكن اعتمادها بدلا من وصفات سيدر المسمومة وحتى لا تنتظروا ثلاثين عاما اخرى ثم تندبون ضياع الفرص الفائتة ومن لايفكر بخيارات الشراكة الإقليمية مع الدول الشقيقة ليوسع السوق يضيع فرصة خفض التكاليف وزيادة الفرص ويجعل المرافق اللبنانية لقمة سائغة للتحكم الاحتكاري الأجنبي.

من سأل الصين عن ملف البنية التحتية وشبكات النقل المتطورة عبر سكك الحديد والقطارات السريعة بدلا من تلزيم الأتوسترادات لشركات اجنبية ومحلية تجبي المال من العابرين على طرق بلدهم فهل ستلزمون الهواء حين تستنفذون لوائح المرافق المتاحة؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى