بقلم غالب قنديل

عون دشن التصحيح السياسي

غالب قنديل

كانت صيغة الشراكة في السلطة أسيرة اختلال كبير ولا تزال منذ سنوات تحت رحمة مفاتيح التحكم الابتزازي في لوحة النأي المزعوم الذي بات عنوانا لعزلة السياسات الحكومية عن مصالح لبنان العليا تحت الضغوط والشروط الأميركية السعودية المتلاحقة التي تبغي وضع اليد على سياسة البلد الخارجية بحيث يبقى محشورا في زاوية معتمة من تحالف معسكر الهيمنة الأميركي في المنطقة ممنوعا من أي خطوات محتملة لاسترجاع حيوية علاقاته مع الشقيقة سورية وهي علاقات حياة وشراكة لم تفلح جميع محاولات تعطيلها او تقطيع اوردتها عبر العصور والمراحل وقد ذهبت تلك المحاولات وجرفت معها روادها ودعاتها الذين عاندوا التاريخ والجغرافية ففكت رقاب مشاريعهم وانتصرت حقائق الحياة.

جاء الموقف المتوقع لفخامة الرئيس العماد ميشال عون تعبيرا حيا عن أفكاره وعن إرادته الوطنية الاستقلالية وعن رؤيته الدستورية التي منعت استعمال كذبة النأي الشوهاء لتعطيل مسار التنسيق اللبناني السوري الذي دشنه الوزير صالح الغريب وما سيتبع ذلك من عمل مشترك لتحريك مسار عودة المهجرين السوريين إلى بلدهم خلافا للمشيئة الاميركية الغربية السافرة التي عبرت عنها مواقف معلنة تربط عملية العودة بما يسمى الحل السياسي بهدف تحويل هذه القضية إلى عنصر ضغط وتأثير على محتوى الحل المتخيل لإملاء الشروط الأميركية الغربية وللمس بثوابت الموقف الاستقلالي الوطني للدولة السورية وكذلك لإطالة امد الاستنزاف ضد سورية وما يرتبه ذلك من مخاطر وارتدادات في جميع دول الجوار وخصوصا لبنان.

انطلق الرئيس من مصلحة لبنان كأولوية وبناء عليها اشتق رؤيته لما يسمى بالنأي وقاد النقاش في مجلس الوزراء وفق ما نقلته التقارير الصحافية لتثبيت حقيقة ان التنسيق مع سورية هو مصلحة جوهرية لبنانية ورئاسة الدولة اولى برسم غطارها من موقع الصلاحيات والمسؤوليات وبما أن التذرع الدارج بالنأي يعطل فرصة جدية للتخفيف من ضغوط مهلكة وقد سبق للرئيس ولوزير الخارجية ان فضحا العرقلة الأميركية والغربية والأممية لمسار عودة الأشقاء السوريين ورفض فخامته علانية ابتزاز الربط المزعوم بين العودة والحل السياسي.

جندت الولايات المتحدة مجموعات الإنجي اوز العالمية والمحلية ووسائل إعلام لبنانية لتحريض النازحين على رفض العودة وللضغط على الأمن العام اللبناني لعرقلة دوره الرئيسي في حملات إعادة النازحين الطوعية التي شملت عشرات الآلاف إلى الآن.

مسار التصحيح الذي دشنه فخامة الرئيس في مجلس الوزراء وتصدى به لأصوات الجهات التي اعترضت على زيارة الوزير الغريب إلى دمشق من موقع ارتباطها المعروف بالخارج وهي جهات سبق ان تورطت سياسيا وامنيا في فصول الحرب على سورية واوشكت ان تدخل لبنان في اتون حريق كبير لولا تصدي الفريق الوطني للمخاطر بحكمة وبحزم.

يحتاج تصحيح السياسة الخارجية استكمالا أكيدا وواضحا فقد رضخت قوى الثامن من آذار بكل أسف للحول السياسي الرسمي تحت الابتزاز لسنوات طويلة وبات الخلل الخطير قاعدة منهجية مسلما بها ومن الضروري اليوم الدعوة إلى دعم حركة التصحيح والتصويب التي يقودها فخامة الرئيس وصولا إلى سياسة وعلاقات متوازنة مع محوري الصراع في المنطقة والعالم.

تحت شعارات النأي انحرفت السياسة اللبنانية نحو الالتصاق بالمحور الأميركي السعودي الذي تكمله إسرائيل في المنطقة وفرضت على لبنان قطيعة ضارة ومؤذية مع أي فرص لتطوير علاقاته بالصين وإيران والعراق وروسيا وهي ضرورة مؤكدة بمعيار المصلحة اللبنانية الذي استند إليه الرئيس خلال مناقشات مجلس الوزراء وهو ما تصدى به للاعتراض القواتي الممجوج الذي قد يكون آخرون على الطاولة تعاطفوا معه بصمت وبانتظار الحصيلة.

لقد تورطت الحكومات اللبنانية السابقة في سياسة رعناء فأدارت الظهر لمبادرات ود وصداقة وعروض شراكة قامت بها وقدمتها طهران وموسكو وبكين رغم كونها تلبي احتياجات لبنانية ملحة وتتيح فرصا هائلة تحتاجها البلاد مداراة للفريق المرتبط بالمحور الأميركي السعودي وهو ما يدركه فخامة الرئيس ومعه دولة الرئيس نبيه بري وسائر قادة الفريق الوطني الآخرون وخصوصا سماحة السيد حسن نصرالله .

أما وقد اطلق الرئيس مبادرته التصحيحية فالمطلوب هو دعم وتحصين هذه المبادرة والسعي إلى استكمالها على محاور العلاقات الإقليمية والدولية والتقاط الفرص الفعلية المتاحة للتحرر من شرانق الوصاية التي تسعى الولايات المتحدة والمملكة السعودية لإحكامها على خناق لبنان لمصلحة الكيان الصهيوني ولاستعمال لبنان ورقة في الصراع على المنطقة ولتعويض الخسائر اللاحقة بهذا الحلف الذي يواجه نكسات متلاحقة وخسائر متزايدة منذ انكسار العدوان على سورية وبعد هزيمة عصابات التكفير القاعدية والداعشية في الشرق العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى