بقلم غالب قنديل

هلع أيتام اميركا من جدية هروبها

غالب قنديل

ظهر اتجاهان في تطور المواقف الأميركية منذ البلبلة التي أثارها إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره بإخراج القوات الأميركية المحتلة من سورية.

التطور الأول تثبيت قرار الإنسحاب الأميركي والجزم بنفاذه المحتوم بعدما تراجع معارضوه في الكونغرس والبنتاغون أي داخل المؤسسة الحاكمة من المطالبة بإلغاء القرار إلى تريث ومراوغة تمهل الإمبراطورية الأميركية لوضع ترتيبات اليوم التالي للهروب بالقدر الممكن وبعضهم دعا إلى إلزام ترامب بذلك بموجب قرار يتخذ في الكونغرس سقطت محاولات تظهيره وقد جزم الجنرال جوزيف فوتيل قائد المنطقة الوسطى الذي تقع عملية الحرب على سورية ضمن نطاق مسؤولياته بأن عملية سحب القوات قد انطلقت تنفيذا لقرار الرئيس وتفاوتت التكهنات بمدى انجاز ذلك وأبعدها كان نهاية نيسان المقبل أي في حدود السبعين يوما.

التطور الثاني تفعيل منصات الحركة السياسية الأميركية في المنطقة بالتوازي مع استعدادات الهروب تحت عنوان الحشد ضد إيران وبالمزيد من جرعات التطبيع العربي الصهيوني الذي انتقل خليجيا إلى العلن لتعزيز حصانة إسرائيل المعنوية والسياسية ومع هذين الأمرين تم تنشيط آليات العقوبات الأميركية ضد إيران وسائر اطراف محور المقاومة وكذلك السير المتواصل في طريق ما يسمى صفقة القرن لتصفية قضية فلسطين وحيث كان مؤتمر وارسو التتويج المرتجى لجهد امتد شهورا متعاقبة من الاتصالات الأميركية والمساعي الإسرائيلية والخليجية المكثفة.

الفشل والعجز هو حصيلة الحروب بالوكالة وكذلك نتيجة خطط استعمال القوة الناعمة والخشنة في خطة الإمبراطورية لاحتواء الفشل الاستراتيجي في الشرق وخصوصا الفشل في حملة محاصرة إيران وإخضاعها والفشل في حملة تدمير سورية وإلحاقها بمنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية في المنطقة بينما فشلت محاولات جر أي جهة فلسطينية للمجاهرة بتأييد صفقة القرن.

الفشل والعجز يحول التحركات السياسية الأميركية الصهيونية الرجعية إلى شيء من المهرجانات السياسية الخطابية التي لا تؤثر في توازن القوى الفعلي ولا تحتوي تناقضات المعسكر الإمبريالي الرجعي فالاعتراضات الأوروبية التي اعقبت خروج الرئيس ترامب من الاتفاق النووي تظهر بصورة جلية تفكك المعسكر الغربي بينما تضج التناقضات الناتجة عن انقسام لا يقل تأثيرا واهمية داخل معسكر الحكومات الرجعية التابعة من خلال الانشقاق القطري التركي عن السعودية والإمارات ومصر وتضعضع الصف الخليجي مع سعي الكويت وعمان إلى التمايزمما يظهر صورة مبعثرة لحلف الحكومات التي تجمعت في سياق العدوان على سورية بإشارة من خنصر كلينتون.

تعترف مراكز رسم السياسات العليا الأميركية في تقاريرها باستعصاء معضلتي التصدع الغربي والخليجي وتسلم بانعكاسهما ارتباكا وعجزا في جميع ساحات المواجهة في المنطقة من سورية إلى العراق واليمن وفلسطين وإيران من خلال تحركات واستقطابات متعاكسة خلافا للوضع الذي أقيم منذ سلسلة مؤتمرات شرم الشيخ التي احكمت فيها واشنطن رص صفوف حلفائها لتغطية الحروب والضغوط ضد مناهضي الحلف الأميركي الصهيوني منذ تسعينيات القرن الماضي إلى ان شنت الحرب على سورية التي صدعت هزائمها جميع تلك الأحلاف التي اظهر مؤتمر واسو تفككها وتساقط حلقاتها.

الهروب العسكري الأميركي أصاب الجميع بالهلع منذ تصريحات ترامب إلى اليوم ليس بسبب حجم القوات الأميركية بل لكونها رأس جسر قابل للتوسع وعنصر تأثير على معادلات القوة ولن الخروج الأميركي سيطلق بالذات مرحلة جديدة تعود فيها سورية لاعبا قويا وفاعلا في المنطقة خصوصا وان الحقائق القاهرة تشير إلى أن كون محور المقاومة وتكتل الحكومات المناهضة للهيمنة الأميركية بزعامة روسيا الجبهة القادرة على الاستفادة من تداعيات الهروب الأميركي او تعبئة الفراغ الناتج عن الخروج الأميركي كما يقول المخططون الأميركيون.

بات محسوما ثبات الوضع الإيراني وتماسكه وقصور العقوبات وعجزها عن توليد تداعيات تخدم خطط إثارة اضطرابات داخلية منذ ظهور المسيرات المليونية في ذكرى انتصار الثورة الإيرانية فمن الواضح للعيان ان إيران أصلب وأقوى من أي وقت مضى والمرحلة المقبلة سوف تشهد المزيد من التحولات والاختراقات التي تكسر محاولات محاصرة إيران وسيتبين المشاركون في المساعي الأميركية الصهيونية انهم يحاصرون انفسهم.

من جهة اخرى باتت وجهة التطور الواقعي في سورية محددة بوضوح فجميع التحولات والظروف تصب في مصلحة الدولة السورية واستقلالها والخروج الأميركي سيكون فرصة لتلاحم لاحت نذره بين الدولة الوطنية والشريحة الكردية السورية وقد عززه خطاب الرئيس الأسد وموقفه الحازم من العدوانية التركية فذعر الأميركيون من رفع العلم الوطني السوري وصور الرئيس الأسد في مناطق الشرق السوري واعتبر ذلك مؤشرا لمستقبل التطورات مع اكتمال الخروج الأميركي .

اما في العراق فقد طور استحقاق الهروب نقاشا عراقيا لايمكن السيطرة عليه عن جدوى بقاء القاعدة الأميركية التي كانت مرتكزا لمحاولات عرقلة قوات الجيش العراقي ووحدات الحشد الشعبي في تحركها للقضاء على فلول داعش.

امام هذا المشهد تقف إسرائيل واجفة لأن الآفاق التي لايمكن التنبؤ بها تقود للتامل في سيناريوات التطور المحتمل في حال اندلاع مواجهة صهيونية مع الشعب الفلسطيني ومقاومته او على جبهة لبنان او عبر خطوط الجولان والاحتمالات الثلاثة التي قد تتحد في وجه أي مغامرة عدوانية صهيونية تطرح بتداعياتها مخاطر جدية بل وجودية على الكيان الصهيوني الذي اعتمد في حروبه الأخيرة على شحنات الذخائر الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى