بقلم غالب قنديل

سورية وتحدي المقاومة الاقتصادية

غالب قنديل

ليس الحصار حدثا جديدا على السوريين الذين اختبروا في الثمانينات قسوته ونتائجه التي تعرفها اجيال كثيرة بينما هي مجهولة عند جيل الشباب فسورية دائما كانت هدفا للضغوط والمؤامرات الاستعمارية بسبب مكانتها ودورها القومي التحرري في المنطقة وموجة الحصار السابقة الأقرب كانت في زمن التوازن الدولي ثنائي القطبية وفي مناخ عربي أقل تورطا بالانحياز إلى المشيئة الأميركية التي دعمت العدوان على سورية في تلك الفترة واحتضنت عصابات التطرف وعملياتها التخريبية الإرهابية من جماعة الأخوان التي مولتها السعودية وأقيمت لها المعسكرات في الأردن بإشراف ولي العهد الأمير حسن آنذاك بينما كان النظام التركي القائم حينها أقل قدرة على العدوان ومنشغلا بظروفه الداخلية المضطربة رغم الأطماع التقليدية والعداء التاريخي.

في تلك المرحلة قاومت سورية الحصار بالاعتماد على نفسها وبإمكاناتها الذاتية بتماسك وطني كبير حققته المنظمات الشعبية النشطة من الاتحادات الشبابية والطلابية والنسائية والمهنية التي قامت بجهد نوعي وهام في معركة الوعي لتعبئة الشعب بإرادة الصمود وكانت للقطاع العام السوري حصة ضخمة من توفير مستلزمات الصمود الشعبي كما هي الحال منذ اندلاع العدوان الاستعماري قبل تسع سنوات فهذا القطاع العام المنتج كان ولا يزال من اهم عناصر الصمود السوري ومن علاماته الفارقة وبالمقارنة طبعا لم تكن حرب الإرهاب السابقة في حجم ما شهدناه من تدمير وخراب استهدف الموارد الاقتصادية الزراعية والنفطية والصناعية في الحرب العدوانية الراهنة.

لكن أثمن دروس تلك التجربة ان الإرادة الوطنية الصلبة والتضامن الوطني في مقاومة الحصاروالاعتماد الممكن على دعم الحلفاء مكنا سورية من التغلب على الحصار وإسقاطه وقد كان الحلفاء حينها يجتازون ظروفا صعبة وكانوا أقل قدرة من الظرف الحاضر على المبادرة فقد كانت إيران في مواجهة حرب ضارية داهمت ثورتها من أول الطريق بينما شرع الاتحاد السوفيتي يعيش في الفترة نفسها عوارض الوهن وتراجع نزعته الهجومية المبادرة عالميا وكانت الصين قد باشرت بناء قوتها الذاتية منكفئة عن الانخراط في صراعات خارج الحدود.

بالمقارنة مع تلك الظروف طبعا باتت قدرات الحلفاء أعلى وأيسر لكن يمكن القول إن الحصار الحالي أشرس والعدو الإمبريالي أشد صلافة وعدوانية وكذلك درجة الانخراط التركي ومستوى احتشاد الحكومات العربية العميلة في حلف العدوان على سورية اكبر مما سبق وهذا ما يجعل الاعتماد الرئيسي على صلابة إرادة المقاومة السورية والتعويل قبل أي شيء على النجاح في حشد وتعبئة الطاقات الشعبية تحت شعار المقاومة والصمود لانتزاع النصر.

إن الانتصارات الباهرة التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه حررت قسما كبيرا من الأراضي السورية ورسخت معادلات جديدة ونوعية لاسيما بردع العدو الصهيوني والتصدي لعدوانه المفتوح منذ اندلاع الحرب الاستعمارية بواسطة العصابات الإرهابية العميلة التي تكشفت في نسيجها الأصابع الصهيونية بدون أي التباس.

لكن المهمة لم تنجز بعد فما تزال مناطق وموارد نفطية ومائية وزراعية سورية عديدة خارج سيطرة الدولة الوطنية وجيشها الذي يعتبر نموذجا خارقا للقوة والبسالة بعد كل ما واجهه وتصدى له خلال هذه السنوات وتحمل اكلافا هائلة وكبيرة من أرواح ضباطه وجنوده البواسل وقادته الكبار وهو ما يزال محتضنا بإجماع شعبي ومرفودا بتضحيات شعبية جزيلة وهائلة لكن سيكون التتويج لكل ذلك بالصبر الاستراتيجي وبالثبات في المقاومة الاقتصادية للحصار والضغوط وترسيخ نهج الاكتفاء الذاتي.

إن انفراج الحياة اليومية في جميع المناطق المحررة مثل فرصة لعودة دورة الإنتاج ولاسترداد الموارد جزئيا لكنه من الخطير التصور ان الحرب قد انتهت بالفعل وان الانتصار قد تم وهذا ما يقتضي جهدا تعبويا وإعلاميا يوضح ان المعركة مستمرة والمقاومة مستحقة من اجل استكمال التحرير والنصر النهائي بالتخلص من الاحتلال التركي والأميركي والغربي واستعادة السيادة الوطنية على كل حبة تراب.

هنا ينبغي تركيز جهد كبير في معركة الوعي لترسيخ نظرة موضوعية تدعم نهج القيادة والدولة الوطنية في إدارة معارك صعبة اقتصادية وسياسية وعسكرية لتحقيق الهدف الأسمى لجميع السوريين وهو ما يتطلب خطابا إعلاميا خاصا وحملات تعبئة شعبية تدعى إليها جميع الأطر الشعبية الوطنية فقد اظهرت ترددات الازمة التي عكستها عمليات اعتراض الأسطول الأميركي والطلبات الأميركية من حكومات حوض المتوسط بما فيها مصر لعرقلة سير بواخر تنقل البضائع إلى شواطيء سورية خطأ إخفاء الوقائع عن الناس واكدت اهمية مصارحتهم ومشاركتهم في المسؤولية عن مقاومة الحصار بتكييف عاداتهم واولوياتهم واعتبار ذلك جزءا من عملية الصمود في الدفاع عن الوطن وضرورة الاستعداد لخوض المعارك الباقية الفاصلة لخلاص سورية.

لاشك في اهمية الإصرار على تطوير الأداء العام للدولة ومؤسساتها وخصوصا في التصدي للحصار ولما يولده من ازمات بنهج استباقي حصيف ومن وجوه الانحراف والخطأ منطق التعامل مع أعراض المعاناة الشعبية وكأن الأمور عادت كما كانت قبل العدوان ومن أفدح الأخطاء التعمية على المعارك الباقية الواجبة والتي لايملك أي كان القدرة على الجزم باوان نضج ظروفها المعقدة سياسيا وميدانيا وكذلك طمس الصعوبات الفعلية الناشئة عن الحصار الشرس على البلاد فالزعم ان كل شيء طبيعي هو مكابرة في غير محلها.

في مقاومة الحصار تحتاج سورية إلى أعلى درجات اليقظة والتضامن الوطني وإلى وحدة الإرادة دفاعا عن الوطن ولا بديل عن تعديل نمط الحياة اليومية العامة والخاصة بتدابير اقتصادية ومالية طارئة تشمل الجميع على قدم المساواة وهذا ما اظهره السوريون بقوة خلال التصدي للعدوان العسكري وهو ما تحتاجه سورية راهنا في التصدي للضغوط وللحصار الاقتصادي بشراكة تشمل جميع قطاعات الشعب في التضحية والمواجهة مع الحصار الذي يستهدف النيل من وضوح الانتصار السوري على العدو الاستعماري وحليفه الكيان الصهيوني وأدواته الرجعية العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى