بقلم غالب قنديل

أيها اللبنانيون إدفعوا كلفة الخراب

غالب قنديل

لايختلف أي من اللبنانيين في توصيف الخراب المفزع الذي يجثم على صدورهم بحدود ما يعرفونه عبر خطب القادة السياسيين ومن الوقائع النافرة لأحوال العيش وأوجاع هجرة الشباب المتصاعدة وبطالة الخريجين الفتاكة ومآسي الطبابة والتعليم الحارقة كالنيران التي التهمت جسد الأب الملهوف جورج زريق في باحة مدرسة ابنته وغيرها الكثير من فضائح تعفن البيئة وتلوث الأنهار ونهش الجبال وشفط رمال الشواطئ…

إنه التوحش بعينه يحاصر جميع اللبنانيين منذ قيام النظام الجشع بعد الطائف الذي اوقع الاقتصاد اللبناني في قعر سحيق داخل حلقة لعق السكاكين عبر فقاعة العقارات والفوائد ومقامرة الدين العام المفتوح ونمط الاستهلاك تحت الهيمنة الغربية الأميركية وبوظيفة المنتجع الخليجي المشتهاة التي كانت أبرز ركن في عقيدة العهد الإعماري.

لا تكذب التصريحات والخطب التي تضج بتوصيف الكوارث الزاحفة والانهيارات المحتملة ولو ان بعض مطلقيها يمارسون بها تهويلا احترافيا لتمرير وصفة ستقود إلى كارثة مقبلة ستكون ادهى من سابقتها بكثيررغم رطانة عبارات النهوض المستخدمة بكثافة تثير الضجر.

قبل توصيف الخراب الكبير والتفجع على البلد لماذا يطمس السبب ولا تقال الحقيقة للناس المقهورين الخائفين الصامتين والقلقين ؟ هذا ما فعله نظامكم السياسي المبني على التبعية للغرب والخليج والمؤسس على التقاسم والمحاصصة بين ممثلي الطوائف الذين انتخبتوهم وتعصبتم لبقائهم وتذابحتم من اجل تجديد تحزبكم الأعمى لهم ؟؟

فعلا هي حقيقة قاهرة عن حلقة مفرغة أحكم إغلاقها عندما سدت فسحة التطوير الممكن لصيغة الطائف بتغييب وطمس آلية إلغاء الطائفية لتأبيد منظومة النهب والهيمنة الخارجية والتقاسم الداخلي التي يعتاش عليها نظام التسويات اللبنانية ويرتهن لمشيئة خارجية مدمرة تتربص لنزع أنياب المقاومة وأظافرها فهي الظاهرة الشعبية اللبنانية التي حطمت أصنام الهيكل الدولي والإقليمي وأذلت أربابه وسحقت خرافاتهم وكنستها إلى المزابل لكن هذه المقاومة مجبرة على التعايش مع زبانية الهيكل نفسه بحكم التركيبة الطائفية.

ما هو العرض الثمين في البيان الوزاري غير شراء الوقت والخوض في مقامرة أخرى كمثيلتها في تسعينيات القرن الماضي والفارق هو ان نقطة انطلاقها هي ما تجمع من ديون غير مسددة بما يناهز المئة مليار سيضاف إليها سبعة عشر مليارا مع فوائدها الربوية المتراكمة وصفر جديد أدهى في البنى التحتية هو أفظع وأشد تدهورا من حيث الخراب المتراكم منذ نقطة الانطلاق السابقة التي اعقبت حروب السبيعنيات والثمانينيات من القرن الماضي.

يختلج صوت رئيس الحكومة عندما يتحدث عن القرارات الصعبة وغير الشعبية التي عليه اتخاذها وهو بذلك يلطف الأمر قليلا فالآتي بالمزيد من الديون والرقابة الأجنبية انكماش لا انفراج تقليص للفرص لا توسيع لها وزيادة ضرائب وشد احزمة يطلب انضباط الناس فيه اما ماذا حصلت بيوت المال العالمية والبنوك والحكومات “المانحة” من سمسرة القروض وعملات المشاريع فذلك سر كبير يحتاج سنوات لينكشف.

السؤال الذي لم يطرحه احد هو هل من طريق بديل لسلة سيدر وماذا عن الشراكة مع الشرق الكبير ماذا عن الصين وقدراتها الضخمة وعن الشراكة مع الهند وروسيا وإيران التي تعرض المساعدة وفي مشيئة منع السؤال سر استعجال تمرير المصادقة على سيدر دفعة واحدة على طريقة جاهر بها بعض المسؤولين دون تردد في جلسة إقرار سيدر “إما ان تقبل او ترفض” وبالإنكليزية الدارجة في مآدب رجال الأعمال.

الجديد الذي يسيل له لعاب بيوت المال العالمية والمصارف المحلية والأجنبية وحكومات النهب الدولية في نادي باريس هو واردات النفط والغاز المكتشف في البحر كضمانة لسداد القروض المتراكمة والتدقيق في هذه الحقيقة يؤكد لمن يدقق ان البلد ليس محكوما بالاستسلام لمشيئة مصاصي الدماء ولديه إمكانات نهوض حقيقي إذا تحرر من سلاسل التبعية والإذعان وراجع حسابات الشراكات المالية والتجارية التي وقفت خلف الكارثة الراهنة ومسببيها ومسبباتها وتحرر من وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين التي هي العلة والبلفة المنظمة لمخطط الخراب رقم واحد الذي ادى لكل ما يصف به المتحدثون احوال البلد الراهنة من تلف الموارد وانهيار المرافق وكوارث الخصخصة.

سيناريو الخراب رقم اثنين الذي يناقشه مجلس النواب هو سيدر وكان الحري به ان يسأل عمن تسببوا بكارثة ينادون على الشعب اللبناني لتحمل كلفة تجاوزها المزعوم في برامج سيدر النافية للسيادة الوطنية برقابة اجنبية على الشاردة والواردة المالية في حسابات الدولة الممنوعة من التحول إلى دولة فعلية بمشيئة المستعمر منذ إنشائها في كنف الانتداب.

الريعية مستمرة والبنية الطائفية متجددة متجذرة وفوق كل ذلك ان الوصاية الأجنبية محكمة تفرض على لبنان إدارة ظهره لكل دولة تخاصم الهيمنة الأميركية الصهيونية ومنظومتها في المنطقة من الصين إلى روسيا فإيران وحتى الشقيقة سورية التي تعرجت تعابير البيان الوزاري بين النقاط للتنصل من تعهدات واضحة مستحقة اتجاهها يفرضها المنطق بعدما انهارت رهانات الخاسرين على إسقاط سورية وتوريط لبنان في المؤامرة الدموية التي استهدفتها وهو الأمر المسكوت عنه الذي يتحاشى معظم الساسة الخوض فيه مداراة لــ”الوفاق الوطني ” الأجدر بتسمية “التلفيق الوطني” لأن القوى السياسية اللبنانية في حصيلة ما جرى خلال السنوات العشر الماضية تنقسم بين معسكرين : رابحون وخاسرون ،خيار صائب وخيار خاطئ ، متآمرون مع الحلف الاستعاري الصهيوني الرجعي ووطنيون تحرريون انحازوا إلى حلف المقاومة … تبا للمساكنة وضرائبها الباهظة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى