بقلم غالب قنديل

التلويح بالعدوان فرنسي ولبناني !

غالب قنديل

بعد تصريحات الرئيس الفرنسي ووزير خارجيته التي شكلت عرضا مشهديا لتفاوض علني مع تل أبيب على توقيت عدوان صهيوني مزعوم ضد لبنان انتقلت الفكرة إلى بعض الصحف اللبنانية وتمت عملية طبخها وتبهيرها لتسوق بوصفها مفتاحا سحريا لفك الاستعصاء السياسي وتعديل التوازنات لتغيير قواعد اللعبة المحلية وفي هذا المشهد استعارة للغة سمعناها وعرفناها قبل أربعين عاما أي عشية الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982.

طبعا لو أراد ماكرون البحث مع نتنياهو في توقيت حرب محتملة على لبنان لاستطاع ان يتصل به او يسافر إليه لمناقشة قضية بهذه الأهمية لا تناقش على الهواء مباشرة لكن رسالة الرئيس الفرنسي موجهة للواقع السياسي اللبناني وهي إحدى ادوات الضغط السياسي والمعنوي على ذلك الواقع لمصلحة إسرائيل ودعوة للتكيف مع طلباتها المتلاحقة بتصعيد التدابير المعادية للمقاومة واولها التجاوب مع سياق العقوبات الأميركية ومحاولة الحد من مصادر قوة حزب الله السياسية والميدانية والدخول في عملية فك تدريجي لعلاقة التنسيق النامية والمتطورة بين الجيش والمقاومة وهو ما كان موضوع إلحاح متكرر من جميع الموفدين الأميركيين والغربيين بل إن ثمة من يوحي بنقاش في الكونغرس لتقييد جميع المساعدات العسكرية إلى لبنان باشتراط وقف كل تنسيق او تعاون بين الجيش اللبناني وحزب الله.

اما لبنانيا فإن العديد من الأطراف يجدون في أي حرب محتملة فرصة لإضعاف حزب الله وهكذا تورطوا في الحرب العدوانية ضد سورية وانتظروا خروج حزب الله من معارك سورية مستنزفا وضعيفا مثلهم مثل العدو الصهيوني بكل أسف.

كانت المفاجأة الصادمة انه باعتراف الصهاينة خرج حزب الله من معموديته السورية أشد قوة وأغنى خبرة وأعلى فاعلية على جميع الصعد العسكرية والسياسية ولذلك يتحدث مخططو السياسات في الغرب وإسرائيل عن ولادة حزب الله الإقليمي وتعيش إسرائيل في حالة من الهلع أمام المعادلات الجديدة وجميع جنرالاتها يعلمون أي جحيم سيكون بانتظار الكيان الصهيوني في حالة المغامرة العدوانية ضد لبنان مهما كان حجمها وقد طور السيد حسن نصرالله خلال حواره مع الميادين معادلة الردع الدفاعي فشمل أي اغتيال او عمل تخريبي صهيوني داخل لبنان بحتمية الرد الشامل على العدوان بقصف صاروخي دقيق لعمق الكيان الصهيوني مع احتمال تنفيذ خطة الجليل التي تقلق المستعمرين الصهاينة من “ضربة شاكوش”.

الرهانات اللبنانية على تعديل التوازن الداخلي بحرب صهيونية سيكون مصيرها أسوء واشد خيبة مما جرى خلال حرب تموز وسيدفع المراهنون في الداخل كلفة كارثية ولن يحتاج حزب الله لدعم أي جهة إقليمية حليفة لصد العدوان علما ان مروحة الاستعداد للحشد العسكري ولمؤازرة المقاومة باتت أوسع وأقوى بكثير وهي على قوس يشمل جميع شركاء السنوات الصعبة الماضية التي قاتل فيها حزب الله إلى جانب سورية وشارك في الدفاع عن المنطقة في الميادين الساخنة مع الجيش السوري وقوات الحشد الشعبي العراقي والحرس الثوري الإيراني وقوات انصار الله اليمنية.

فقط البلهاء يتجاهلون معاني التوازنات والتحولات والقادة العسكريون الصهاينة يجيدون التمعن في تبعات لعبة الجحيم التي يعرفون كلفتها جيدا على الكيان برمته فما نشهده اليوم في المنطقة والعالم هو حصيلة عشرين عاما من فشل الحروب الأميركية والصهيونية في الشرق منذ الهروب الصهيوني من جنوب لبنان حتى قرار الهروب الأميركي من شرق سورية الذي سينفذ حكما وقد شاركت في فصول سلسلة الغزوات الفاشلة والمهزومة جميع حكومات الناتو وسائر الحكومات التابعة في المنطقة.

استعارة صور وظلال الغزو الصهيوني عام 1982 لفرض انقلاب كبير في التوازنات اللبنانية الداخلية يصح فيها القول “كان زمان ” فالحاصل هزيمة مبرمة والكلفة الأميركية الصهيونية الغربية وكذلك نصيب الحكومات العربية التابعة منها سيكون كارثة أما تكرار سيناريو تموز 2006 فيصح القول إن ويلات تلك الحرب ونتائجها على الولايات المتحدة وحلفها الغربي الخليجي وعلى إسرائيل ستبدو نزهة امام ما سيلحق بحلف العدوان من جديد.

بعض البلهاء يوحون بكتابة المقالات ويصدرون التصريحات من قصور رئاسية ومواقع حكومية للتهويل على لبنان مرة بالحصار الاقتصادي ومرة بالانهيار النقدي ومرات بالحرب العدوانية والحقيقة انهم عاجزون يستبدلون قواهم الخائرة والمستنزفة بأصواتهم المرتفعة وإن وقعت المغامرة سيندمون جميعا على ساعة التخيل التي لم يكبحوا فيها جماح تمنياتهم المريضة التي سيكون مصيرها خيبة مزلزلة وخسائر يستحيل احتواؤها وتقبل نتائجها وهوما سيكون انهيارا عظيما وبلا رجعة لغطرسة جميع عملاء الغرب وإسرائيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى