بقلم غالب قنديل

هل يجوز ان يسقط العدوان سهوا ؟!

غالب قنديل

تزامنت ثلاثة احداث في لبنان دفعة واحدة وتلاقت بطريقة تعبر أيما تعبير عن مشهد سوريالي حافل بالتناقضات والالتباسات : الطيران الحربي الصهيوني يقصف مواقع في سورية من سماء لبنان ، القمة العربية الاقتصادية منعقدة في بيروت وهندست لها واشنطن حضورا قطريا لخرق طوق محكم نسجته واشنطن بلسان ديفيد هيل حول القمة فكان خفض مستوى تمثيل الممالك والمشيخات النفطية باستثناء قطر، ومسيرة شعبية ضمت آلاف المتظاهرين تلبية لنداء “إلى الشارع ” الذي رفعه الحزب الشيوعي اللبناني والتنظيم الشعبي الناصري وبعض مجموعات “الحراك المدني” وليس في دلالة التسمية شبهة اتهام للآخرين بعسكرة التحرك معاذ الله فهو بالتمام حراك شعبي سلمي كامل المواصفات.

لا القمة تذكرت الاستباحة الصهيونية لأجواء لبنان بقصد العدوان على سورية حيث تزعم بلاغات تل أبيب انها تستهدف مواقع لحزب الله وللمستشارين الإيرانيين والجيش العربي السوري ولا المتظاهرون على الأرض نبسوا بكلمة عن الطائرات التي كانت تمر من فوق رؤوسهم على مسافات شاهقة لا تخفى آثارها بين الغيوم بذلك الخط الأبيض السميك المتلاشي الذي حفظته اجيال اللبنانيين طيلة اكثر من سبعين عاما علما ان بعض المنظمين شركاء أصيلون في مقاومة العدو الصهيوني.

ترددت هتافات المتظاهرين في الشارع ولا شيء فيها يستنهض شيئا لصد العدوان الفاجر على السيادة الوطنية وانفضت القمة العربية من غير إشارة عابرة ولو خجلا إلى العدوان الصهيوني الجوي على لبنان وسورية بضربة واحدة وغالبية الحضور تلطخهم آثام التآمر على سورية وشعبها وجيشها وقائدها المقاوم.

العدوان على سورية من اجواء لبنان يتكرر بكثافة خلال السنوات الماضية وتتصدى له سورية بواسطة وحدات الدفاع الجوي من قواتها المسلحة التي تمتلك الخبرة والمعرفة الهندسية والتقنية وأسلحة مضادة حدثها الخبراء السوريون لا تقل فاعلية عن المنظومات الحديثة التي تسلمها الجيش العربي السوري من الحليف الروسي وتتكرر الاستفزازات الصهيونية لاستدراج استخدامها عل ذلك يكشف بعضا من أسرارها التقنية المكتومة كما جرى في البقاع عشية الاجتياح عام 1982 .

غص المتظاهرون والمؤتمرون معا وضاقت البيانات والهتافات بالكلمات الشاجبة للعدوان الصهيوني ولو شكلا لرفع العتب !! فقد تحول العدوان امرا منسيا في حركة “إلى الشارع ” وكان كذلك منسيا في قاعات فندق فينيسا التاريخي الشاهد على تاريخ الحروب التي عاشها لبنان خلال نصف قرن مضى بما فيها من غزوات صهيونية انتهت إلى هزيمة نكراء وكان فيها دعم دمشق للمقاومة اللبنانية ركنا راسخ الجذور لمعادلات أفضت إلى اندحار الغزاة عن لبنان من جيش الاحتلال الصهيوني إلى القوات متعددة الجنسيات الأميركية والفرنسية التي تم إجلاؤها عام 1983 تحت الضرب والنزيف المؤلم الذي أرغم النظام اللبناني الدمية على خلع اتفاق السابع عشر من أيار.

تختلط الأمور في العقل اليساري الافتراضي العربي بتخصيص مربع ذهني للقضية الوطنية منفصل تماما عن مربع ذهني آخر لقضايا الصراع الداخلي الاجتماعي والطبقي ولكن التجربة تبرهن وبشواهد من تاريخ لبنان الحافل بأنهما في الحقيقة مربع واحد فالحقيقة المؤلمة ان لبنان موضوع تحت الوصاية الأميركية السعودية وممنوع عليه امتلاك ادوات للدفاع الجوي وممنوع عليه حتى قبول هبات روسية او إيرانية او صينية تمكنه من التصدي للطائرات الصهيونية التي تسرح وتمرح في اجوائه وتتمادى في استفزازها بخرق جدار الصوت وكذلك ممنوع على لبنان ان يطبق اتفاقات الدفاع المشترك مع سورية او تطويرها لتشمل جدران الصواريخ السورية سماء لبنان وأرضه.

في الوقت ذاته وبفضل تلك الوصاية السياسية يرزح لبنان تحت الوصاية الاقتصادية والمالية التي تفرضها الإمبريالية الأميركية عليه من خلال آليات محددة يرسمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومن المستحيل تخيل الاهتداء إلى حلول تنهي الأزمة الاقتصادية والمالية المستفحلة دون المس بركائز الوصاية الاستعمارية وبدور مفوضيها المعروفين بينما ينشغل اللبنانيون بسجالات الهوامش التي تطال ألعابهم ومناكفاتهم وصراعاتهم على الفتات.

السماء اللبنانية السورية واحدة ولا مجال لتمييزها بخطوط فاصلة والعدو الصهيوني يستبيح اجواء لبنان ليوجه منها صواريخ العدوان على سورية والأمر يتكرر بكثافة مؤخرا بعدما استعاد الجيش العربي السوري قسطا كبيرا من قدراته الدفاعية الرادعة التي ضاعفت عواقب انتهاك الأجواء السورية.

هل يمكن ان تقوم وتصمد جمهورية ” ديمقراطية ” وتزهو بعدالتها الاجتماعية المفترضة بينما هي مستباحة وخاضعة للوصاية ؟ ولماذا غاب رفض العدوان ومطلب التنسيق الدفاعي مع سورية طالما تختار الاحزاب والقوى المشاركة في “إلى الشارع” رصفا أفقيا لشعارات وأهداف تبدأ بالسلم المتحرك للأجور ولا تنتهي بضمان الشيخوخة بدون تعيين اولويات واضحة ومحددة بل إن بعض شعارات “إلى الشارع ” كان أمس سورياليا كالهتاف بسقوط الحكومة التي هي فعليا حكومة مستقيلة لا تحتاج من يسقطها بينما يوصي السفير ديفيد هيل بتعويمها إذ يستعصي على اطراف النظام الطائفي التابع تشكيل حكومة بديلة منذ أشهر وأشهر ..

لم يقل أي كان ما المانع من ضم شعار رفض العدوان الصهيوني ومطلب امتلاك دفاع جوي مشترك مع الشقيقة سورية المعتدى عليها من سمائنا التي نكرر ذكرها في أغانينا الفلكلورية ليل نهار في مصنفات ثقافة “لبنان يا قطعة سما” أوليست الأولوية لإسقاط الوصاية وصد العدوان حتى يكون لنا وطن يستحق النقاش في سبل ازدهاره؟ أولم تثبت التجربة القريبة ان أي دفاع جدي عن الوجود يستحضر أهمية المقاومة وكفاحها العابر للحدود من لبنان إلى سورية إلى العراق فاليمن ؟!!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى