بقلم غالب قنديل

فرصة ﻻ ينبغي تفويتها

غالب قنديل

تفتح التطورات السياسية الجارية حول المواقف العربية الرسمية من سورية فرصة سانحة لإفلات لبنان من أسر شروط الوصاية والابتزاز المفروضة عليه من الحلف الأميركي الفرنسي السعودي الذي ألزم السلطات اللبنانية بلائحة ممنوعات يتصدرها الحجر على العلاقة بسورية وعلى تطوير أي شكل من التعاون اللبناني السوري.

بعد تحول المناخ العربي الرسمي وتهافت الحكومات العربية المعادية لسورية والمتورطة في العدوان عليها ﻻعادة فتح سفاراتها وتدفق الوسطاء والزوار إلى دمشق يمكن للحكم اللبناني لو امتلك الإرادة أن يتحرر مما ألزم نفسه به من تعهدات لقاء تحرير رئيس الحكومة من محبسه السعودي.

التوقيت المقترح للقمة الاقتصادية العربية في بيروت هو مناسبة لدعوة مجلس الوزراء الخارجية العرب للانعقاد في بيروت لاتخاذ قرار حاسم بتوجيه الدعوة الى سورية لحضور القمة الاقتصادية ويمكن للبنان ان يخاطب الجميع بحقيقة انه لا جدوى من أي قمة تغيب عنها سورية وأن من حق لبنان أن يكون بوابة العائدين الى الشقيقة التوأم .

لا لزوم للمكابرة أو للتردد طالما أن الحكومات التي شاركت في الحرب على الشقيقة سورية تعيد حساباتها وتراجع مواقفها بعدما توهمت بناء على التحريض الأميركي انها قادرة على تدمير سورية وقلب وجهة دورها القومي المقاوم فباتت تلملم اذيال الهزيمة والخيبة بحثا عن مخارج بإعادة فتح سفاراتها في دمشق وبتحريك المساعي لحضور سورية في قمة تونس واذا كانت تلك هي الوجهة التي حسمتها تحركات عربية تلاحقت مؤخرا يصبح من حق لبنان ان يسعى إلى شرف احتضان لقاءات العودة العربية الرسمية الى سورية بعنوان القمة الاقتصادية العربية وهذا ما يفترض أن تقدمه الحكومات الشقيقة للبنان علها تعوض عليه بعضا من خسائر الحرب على سورية وتلك الحكومات العربية التي تبدي حماسة في خطبها عن دعم لبنان ملزمة بالتجاوب مع طلب لبنان الذي دفع غاليا في مجابهة الأخطار التي حركها العدوان على سورية بتخطيط غربي صهيوني وبتمويل وتورط عربي .

ما هو المانع الذي يحول دون مبادرة لبنان بعد مشاورات داخلية يجريها رئيس الجمهورية لبلورة موقف محدد عنوانه لا قمة بدون سورية ولماذا يكون لبنان محجوزا بإرادته في علبة موقف يتجه أصحابه الى التراجع عنه وأين مصلحة لبنان في زجه ضمن خانة آخر العائدين وهو صاحب المصلحة الأكيدة بأن يكون اولهم ويحث الآخرين على اللحاق به؟.

يمكن لفخامة الرئيس بشجاعته المعهودة مخاطبة المدعوين الى قمة بيروت : اذا اردتم تعزيز مكانة لبنان فلتكن مصالحة حكوماتكم مع سورية على أرضه ولنتدارس توجيه الدعوة الى إيران وتركيا لحضور هذه القمة طالما موضوعها الاقتصاد ومسائل التنمية والعمل المشترك اقتصاديا وفق جداول الأعمال التقليدية وما تمليه من معالجة لقضايا إقليمية كثيرة منها دعم الشعب الفلسطيني ورفع الحصار عن قطاع غزة وخطوط نقل الطاقة واستثمار المكتشفات البحرية والأسواق المشتركة والسياحة البينية والتعاملات المالية المحمية من الضغوط والعقوبات الأميركية المكرسة لخدمة مصالح إسرائيل فهل يمكن تجاهل تلك الشراكات المحتومة بقوة الجغرافية؟.

ما هو المانع من توجيه فخامة الرئيس رسائل الدعوات متضمنة فكرتين فقط هما اما دعوة الرئيس اﻷسد بناء على قرار يتخذ فور انعقادها ويعلن عنه قبل ذلك في بيان مجلس طارئ لوزراء الخارجية العرب في بيروت او التفاهم على تأجيل القمة الاقتصادية ريثما ينضج مناخ عربي مناسب؟.

لقد منع لبنان نفسه عن مبادرات كثيرة ممكنة بخضوعه لإملاءات واشنطن والرياض وباريس ومن المعيب أن يكون آخر الواصلين الى التصرف بناء على حقيقة ان سورية انتصرت فكيف ورئيس لبنان هو العماد ميشال عون الذي كان سباقا في فهم طبيعة العدوان على سورية وعاش يوميات ومعارك الدفاع عن سورية والمقاومة اللبنانية السورية المشتركة لتلك الحرب البربرية الغاشمة بحرارة وتفاعل كبيرين ﻷنه أدرك بقوة مقاصد الغرب والصهاينة من الغزوة التكفيرية وهو صاحب مواقف ورؤى استباقية ومتقدمة قبل ربع قرن لكيفية استخدام التكفير في تدمير الدول والمجتمعات.

المبادرة بيد فخامة الرئيس وهو منها يمكنه تأسيس مرتكزات دور لبناني ريادي وفاعل في الواقع العربي بل في المدى الاقليمي الأوسع وأن يرسخ مداميك التعاون اللبناني السوري على قواعد صلبة ويراكم رصيدا مهما للبنان اقتصاديا وسياسيا ومعنويا وهذا ما نعلم أنه مبتغاه.

نعرف من شخصية رئيس الجمهورية أنه مقدام لايهاب وهو يعرف ان رئيس المجلس النيابي سيدعم مبادرته بكل حماس وموقفه حول القمة وسورية واضح ومعلن وسيكون عليهما معا اقناع الرئيس المكلف الذي تشكل قيود الوصاية فدية دفعها لبنان ﻷصدقاء الرئيس الحريري حين خطفوه وهذا ما لا يجوز ان يدوم بعدما انقلب اتجاه السياسة الرسمية العربية نحو العودة إلى سورية ولبنان هو الأولى بأن يستضيف قمة العودة العربية إلى قلعة العروبة.

رب قائل جدلا أو مماحكة إن الواقع العربي متعفن وعاجز ولا لزوم لأن نتعب أنفسنا بأمور كهذه والحقيقة أن بلداننا العربية متشابكة رغم أنوفنا والقاصر واﻷحمق هو من يتجاهل ذلك ولابد من آليات تعامل ادارية وجمركية ومالية واستثمارية مشتركة بين سائر دول المجموعة العربية بحكم الوقائع الاقتصادية التي تشير الى كمية ضخمة من العاملين المهاجرين من بلدانهم العربية إلى دول عربية اخرى وحيث تطرح نفسها ملفات المبادلات التجارية والهموم المشتركة العديدة التي تعني مصالح الناس وحياتهم وسائر القضايا المشتركة التي يمكن تدبر أمورها وتسييرها رغم الاختلافات السياسية والأمثلة كثيرة.

ان مبادرة لبنان المنشودة لرعاية المصالحات العربية مع سورية هي خطوة تعزز مكانة البلد وتضاعف الفرص الاقتصادية والسياسية للخروج من الأزمات المشكو منها وما نأمله من فخامة الرئيس ومعالي وزير الخارجية كثير وليس كبيرا على همة من كان في خيارهما الاستقلالي والوطني وفي موقع القرار السيادي ولسورية سبق لا يجب أن ننساه في بناء الكثير من الآمال اللبنانية والعربية على عهد الرئيس ميشال عون.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى