بقلم غالب قنديل

الحلقة المركزية في سياسة واشنطن

غالب قنديل

يحاول البعض استثمار الصورة الجشعة والفجة للرئيس الأميركي دونالد ترامب لترويج الوهم حول الحزب الديمقراطي والعودة إلى أسطوانة قديمة ومشروخة عن المستعمر الطيب والمستعمر البشع ومثالها في بلادنا العربية كثير من الأوهام التي شاعت عن مفاضلات بين الساسة الصهاينة وتتمتها المعروفة في ترويج صفقات الخيانة والاستسلام التي تتوجها حملة التطبيع مع العدو مؤخرا وما استثمره فيها من دعاية لمنع انتشار وهج انتصارات محور المقاومة وهزائم الكيان أمام سورية وقطاع غزة وعجزه المتمادي أمام المقاومة اللبنانية.

بعض الملتحقين بمنظومة الهيمنة الأميركية والمستلبين لها بعقولهم وأقلامهم يتذكرون اليوم باراك اوباما بحنين امام فظاظة ترامب في الكشف عن جوهر السياسة الأميركية القائمة على مركزية المصالح الإسرائيلية والتي هي سياسة نهب وهيمنة وحروب دموية كما عبر عنها الرئيس الأميركي في تصريحاته المتقلبة والمتزلفة عن المملكة السعودية وخدماتها لإسرائيل منذ اغتيال الخاشقجي الذي تحول إلى مفردة في الصراع السياسي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

لم يخترع ترامب وظيفة افتراضية للمملكة ونهجها منذ عشرات السنين حين اعتبرها قوة ضامنة لبقاء إسرائيل في المنطقة وهو لم يجانب الحقيقة في هذا الوصف فقد ساندت المملكة لعشرات السنين خطط الولايات المتحدة لتصفية قضية فلسطين ولعبت دورا محوريا في التصدي لحركات التحرر ولمناهضة الحكومات العربية المناوئة للهيمنة والتي رفضت الخضوع للمشيئة الأميركية ولعبت المملكة دورا حاسما في خطط تدجين المقاومة الفلسطينية ودفعها للتخلي عن السلاح والالتحاق بمسيرة تصفية قضية شعبها والتكيف السياسي مع اتفاقات الاستسلام وقد استعملت ادوات الدعم المالي والسياسي وشراء الأتباع في الساحة الفلسطينية لهذه الغاية.

في جميع المراحل ومع تعاقب الحكومات الأميركية ظلت المملكة السعودية منفذا أمينا لسياسات واشنطن في المنطقة وهي حاربت جمال عبد الناصر وسعت إلى محاصرة سورية الأسد وواجهت حكومتي العراق وليبيا على إيقاع السياسة والطلبات الأميركية والخطط التي أعدت للهيمنة على المنطقة والحرب السعودية الشرسة ضد إيران ليست سوى التجسيد الحي لرغبة الولايات المتحدة وخدمة لمصالحها في الهيمنة وتكريس مكانة إسرائيل المركزية في منظومة السيطرة الاستعمارية على الشرق لاسيما وان الثورة الإيرانية جاهرت بالتزامها بقضية فلسطين من يومها الأول ورمت بثقلها إلى جانب سورية وقوى المقاومة العربية.

لقد سعت جميع اطراف محور المقاومة خلال عقود إلى اختبار فرض التفاهم مع المملكة بما فيها إيران وسورية وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية وانصار الله في اليمن وقطعت جميع المبادرات والحوارات بحروب لاهوادة فيها عندما صدر الأمر الأميركي وبكل أسف إن توصيفات الرئيس الأميركي صحيحة ودقيقة وهو يبرر بها موقفه الملتوي من مقتل الخاشقجي بما يصدم السذج الذين يصدقون اداعاءات الحرص الأميركي على حرية الصحافة ورفض الاغتيالات. علما ان اجهزة الاستخبارات الأميركية هي آلة عملاقة للاغتيال السياسي والتخريب الاقتصادي وللجريمة المنظمة في العالم من تبييض الأموال وتجارة المخدرات والأسلحة في آسيا وأفريقيا واميركا اللاتينية ومن يرد برهانا فليتأمل في علاقة التمديد المتواصل للاحتلال الأميركي في أفغانستان منذ ولاية باراك اوباما إلى اليوم بتجارة المخدرات وحراسة القوات الأميركية لحقول الأفيون ولطرق تسويق الهيرويين وليس من الفراغ حديث ترامب عن نقل بعض تلك المسؤوليات الأمنية من الجيش المحترف ومشاة البحرية إلى شركات المرتزقة التي تسميها التقارير الرسمية شركات “مقاولي الدفاع“.

ولمن يتذكر فإن اخطر الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة في المنطقة اليوم بما فيها من جرائم مشينة أشعلها اوباما ويواصلها ترامب مع اختلاف تلاوين السياسة والمصالح الخاصة بالقوى التي تستثمر فيها وتربح منها داخل الويات المتحدة لا اكثر ولا أقل وهو ما تبرهن عليه حرب اليمن والعدوان المتمادي على سورية وتجدد التدخل الأميركي في العراق بعد الإنسحاب المزعوم وكذلك الحملة ضد إيران التي تحولت من السير بالاتفاق النووي إلى الانقلاب عليه وظلت واشنطن في المرحلتين منضبطة باولوية إسرائيل ومصالحها وشروطها كما أرست معاييرها هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية فشروط الحد من صناعة الصواريخ الإيرانية وتعابير الحد من النفوذ الإيراني مستعارة من قاموس اوباما وتبني النهج السعودي الهجومي ضد إيران بجميع مفرداته يتجدد منذ انتصار الثورة وقيام الجمهورية وتبلور المحور السوري الإيراني المناهض للهيمنة الأميركية الصهيونية ولأذرعها في المنطقة منذ حوالي أربعين عاما.

لسنا في معرض إجراء جدول مقارن بين سياسات الحزبين المتنافسين في الولايات المتحدة ولا للمفاضلة بينهما فكلاهما يقيس المنطقة بالعين الصهيونية وبالأولويات الصهيونية وبفوارق كمية طفيفة وحيث تحضر مشيئة المؤسسة الحاكمة يتكامل الجمهوريون والديمقراطيون ويجمعون على المواقف والخيارات ذاتها بل إنهم يتطابقون احيانا وفي التفاصيل وما ينبغي أن يعيه العرب جيدا وفي حاصل التجارب المرة ان جوهر أولويات المشيئة الاستعمارية الغربية كما تعبر عنها واشنطن في منطقتنا هي هيمنة إسرائيل وسيادتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

إن استقلال المنطقة وتحررها من الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية هو القضية المركزية ولاينبغي الانشغال بالقشور البائسة التي يلقيها المعسكر المعادي ليطمس الحقائق وليشغل الشعوب عن قضاياها ومصالحها الوجودية او ليحجب التحولات النوعية التي تفرضها حركات المقاومة وقوى التحرر رغم شراسة الحروب العدوانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى