بقلم غالب قنديل

سورية ومشروع النهوض القومي

غالب قنديل

كلمات الرئيس بشار الأسد عن العروبة والهوية القومية تكاد تكون الومضة المضيئة اليتيمة في الفضاء العربي الذي يحتقن بثقافة التناحر والهويات الممزقة وسائر منوعات الخضوع للاستعمار الغربي ولمنظومة الهيمنة الإقليمية التي تتصدرها إسرائيل بمشروعها العدواني.

القيمة التاريخية للخطاب القومي الذي يتبناه الرئيس الأسد تنبع من موقعه القيادي في محور المقاومة ومن ملحمة الصمود التاريخية التي يقودها دفاعا عن سورية والبلاد العربية في وجه أعتى عدوان استعماري صهيوني رجعي وحيث استطاع هذا القائد ان يوحد من سورية وعلى أرضها قوى المقاومة الوليدة في المنطقة إلى جانب شريكه الاستراتيجي قائد المقاومة اللبنانية فتلاقى في الميدان السوري مقاومون شجعان من لبنان ومن فلسطين واليمن والعراق ودول اخرى قاتلوا جنبا إلى جنب مع الجيش العربي السوري وبالشراكة مع وحدات إيرانية استشارية وبالتناغم مع القوات الروسية.

حولت استراتيجية الرئيس الأسد الميدان السوري إلى حقل خصب بالخبرات وميدان للبطولات ولتأسيس شراكة جدية في النضال ضد الهيمنة وقد ضمت حول سورية وجيشها طلائع شعبية عربية مقاتلة تساندها شبكة من القوى والأنوية السياسية التحررية من مختلف الدول العربية تؤمن وتثق بمرجعية سورية في أي عمل قومي تحرري يبنى على انتصارها القادم لا محالة.

تتسم المعارك السورية الباقية لتحرير الأرض واسترجاع السيادة الوطنية على كامل التراب السوري ببعد استراتيجي نوعي من خلال التصدي لمهمة طرد الاحتلال الأميركي الأطلسي والتركي وبعدما نجحت استراتيجية الرئيس الأسد في استرجاع قدرات الردع ضد العدو الصهيوني من خلال الشراكة الاستراتيجية والعميقة مع الشقيقة إيران ومع روسيا الدولة الحليفة والشريكة في مناهضة الهيمنة الأميركية والتي وجدت في سورية شريكا موثوقا يمكن من خلاله الاحتفاظ بمواقع متقدمة تتيح العمل على بلورة توازن دولي جديد.

لقد حول القائد الأسد جميع التهديدات الوجودية إلى فرص لنهوض القوة السورية ولجعل سورية حاجة لجميع شركائها وحلفائها الذين استثمروا على صمودها وراكموا مكاسب كثيرة ومتعددة وما يتيحه الانتصار السوري من فرص لبناء تكتل إقليمي عربي بالشراكة مع إيران ومن تشبيك للمصالح القارية في آسيا من خلال الصين وروسيا وإيران والعراق سيجعل سورية مركزا إقليميا اقتصاديا شرقيا رئيسيا تتجه إليه الأنظار والتطلعات والطموحات التحررية العربية.

العروبة الجديدة التي يرسي خطاب الأسد ركائزها تتسع لاحتواء التنوع الديني والعرقي في بلداننا وهي بذلك قوة حصانة وحماية في وجه الترويج الاستعماري للعصبيات التناحرية التي تهدد الوحدة الوطنية والقومية ونجاح سورية في تثبيت وحدة شعبها بالعروبة كهوية وثقافة سيكون مدماكا تاريخيا في تبلور طور جديد من العروبة التحررية وحركيتها وهذا ما يستدعي عملا فكريا وثقافيا وإعلاميا يواكب الجهود السورية ويستكمل مساهمات الرئيس الأسد ويجب ان تتولاه الأنوية القومية التحررية في البلاد العربية التي تنظر إلى سورية كقلعة تحررية ملهمة بعد ما قاسته وما قدمته من تضحيات في مجابهة الغزوة الاستعمارية.

إن مركزية الدور السوري في هذه الورشة الفكرية والثقافية والإعلامية مسلم بها ويجب ان تكون موضع اهتمام سائر قوى المقاومة والتحرر في البلاد العربية تحت عنوان التصدي للتناقض الرئيسي ضد منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية في المنطقة العربية ومن بوابة التضامن مع سورية والمشاركة في معاركها التحريرية الباقية وربما تكون الأصعب.

يمكن لهذه العملية القومية التحررية بلورة طور جديد من حركة التحرر العربية تسهم فيه قوى المقاومة وتبلور من خلاله رؤية جديدة لمضمون الشراكة الإقليمية بين البلدان العربية في مناهضة الهيمنة والاستعمار.

موضوعيا ستبقى في هذا السياق قضية فلسطين مركز الاهتمام والاستقطاب انطلاقا من كون الكيان الصهيوني الاستعماري مركز منظومة الهيمنة وهي حقيقة راسخة في خطاب سورية ورئيسها ولو كانت سورية ما تزال تشكو من حشرجات خلفتها طعنات مسمومة تلقتها وتركت آثارة جسيمة في الوجدان الشعبي الذي يشعر بثقل الخيبة امام غدر بعض الأشقاء الفلسطينيين الذين قابلوا في لعبة المصالح والغواية الاحتضان السوري والتضحيات السورية بالطعنات وانساقوا في ركاب الخطة الاستعمارية التي وضعت في قلب اولوياتها موقع سورية المقاوم والفلسطيني المتقدم.

من مهام الحلفاء الأقربين في محور المقاومة وبالذات كل من قيادة حزب الله والقيادة الإيرانية والقيادات الفلسطينية المقاومة معالجة واحتواء هذه المعضلة وحث قيادة حماس على مراجعة مواقفها انطلاقا من الثقل السوري الحاسم في تكوين ميزان القوى الذي أتاح ردع العدو وهزيمة العدوان على غزة ومكن المقاومين من التصدي وبغض النظر عن ما تقدمه سورية حتى اليوم للعديد من فصائل المقاومة الفلسطينية التي بادلتها الوفاء وشاركت في الدفاع عن سورية في اللحظات الحرجة.

المشروع العربي المقاوم يتقدم وسورية ستكون مركزه الفعلي بانتصارها على الاحتلال الأميركي وفلول الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وهي تقترب من تلك اللحظة التاريخية وعلى المناضلين والمقاومين العرب ان يتحضروا لتلك اللحظة القومية الحاسمة ولما سيأتي بعدها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى