بقلم غالب قنديل

هزيمة الصهاينة وخيبة المهرولين

غالب قنديل

منذ اغتصاب فلسطين وقيام الكيان الصهيوني شكلت الدولة العبرية القوة العسكرية المتفوقة على محيطها العربي وكانت وظيفتها المستمرة هي ضرب واستنزاف قوى التحرر المناهضة للهيمنة الاستعمارية في الشرق ودائما نظرت الحكومات العربية التابعة والعميلة إلى الملاذ الصهيوني في حسابها لتوازن القوى ورغم الهزائم المتلاحقة التي مني بها الجبروت الصهيوني منذ هروب جيش الاحتلال من جنوب لبنان دون قيد او شرط وبعد تثبيت معادلات الردع في مطلع الألفية الجديدة كانت السنوات الثماني عشر الماضية مسرحا لمحاولات متكررة لترميم التوازن الاستراتيجي لمصلحة إسرائيل ولتعويض النتائج التي شرع يولدها تبلور محور المقاومة وقد كانت النتائج معاكسة للمشيئة الاستعمارية ومنيت الإمبراطورية الأميركية بخيبات وهزائم متلاحقة من غزو العراق إلى حرب تموز وصولا إلى الحرب على سورية وفي هذه الحروب كان الكيان الصهيوني شريكا بالتخطيط والقيادة مع الولايات المتحدة وحكومات الناتو والحكومات الرجعية العميلة في البلاد العربية.

الفشل في منع انقلاب البيئة الاستراتيجية لازم المحاولات الإمبريالية الصهيونية الرجعية لتعويض هزائم الدولة العبرية ورغم كل ما حشد من قدرات خلف جيوش القاعدة وداعش وجماعات المرتزقة الآخوانية لتدمير القلعة السورية ورغم السعي لمحاصرة قوى المقاومة بالضغوط والعقوبات تحولت المواجهة الكبرى في سورية والعراق ولبنان إلى قابلة تاريخية لتغيير عالمي كبير وانعكس التحول مزيدا من القوة والقدرة لفصائل المقاومة الفلسطينية التي باتت تملك قدرات عالية واستعادت لحمتها بمحورها ونشأت قوات إسناد شريكة من العراق واليمن وهي تستند بثقة إلى المقاومة اللبنانية والقلعة السورية التي ضاعفت من قدراتها عندما حولت مع حلفائها الكبار تهديد العدوان الاستعماري إلى فرصة لامتلاك قدرات ردع عملاقة…

الحصيلة التي انتهت إليها المواجهة الأخيرة في غزة بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني كانت اختبار قوة فعلي بين محور المقاومة ومنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية ففعل تثبيت توازن الردع ورضوخ الكيان الصهيوني لهذه الحقيقة اطلق تفاعلات وتداعيات زلزالية في حكومة نتنياهو بعد استقالة أفيغدور ليبرمان وفي عمق الكيان الصهيوني بحيث انتشرت لغة العويل والندب على انتهاء زمن هيبة إسرائيل وتداعي وانهيار سمعتها السياسية والعسكرية التي تباهت بها سابقا ومن المعلوم ان تداعيات كهذه لها فعل كارثي في كيان استيطاني قائم على جلب المهاجرين وبث الثقة بينهم بالقوة والجبروت والحماية.

لا مجال للمقارنة بين غزة المحاصرة وأي من اطراف محور المقاومة وهزيمة العدو امام القطاع وتقهقره مردوعا خانعا هي مؤشر إلى المعادلات الفعلية في المنطقة واستعصائها على الكسر رغم ما لدى اسرائيل من قدرة على التدمير والإبادة ورغم التطور الهائل في علاقاتها السرية والمعلنة مع دول خليجية تتقدمها المملكة السعودية واستمرار معاهداتها مع مصر والأردن وارتباطاتها بالمغرب وتغلغلها في المدى الأفريقي اقتصاديا وامنيا وعسكريا حيث تحولت الشركات والمخابرات الصهيونية إلى قوة فاعلة ونافذة سياسيا في العديد من عواصم القارة.

اسرائيل مزعزعة في غزة المحاصرة يتفكك تحالفها الحاكم ويواجه نتنياهو حملات عن يمينه يشنها وزير حربه الذي أدان رضوخه لردع المقاومة ولاشيء لديه غير القوة العسكرية العمياء لحملة إبادة وتدمير ستكون تداعياتها أشد وطأة على الكيان وعلى المهرولين العرب إلى المجاهرة بتحالفهم معه.

أربك الشعب الفلسطيني المهرولين من خلال مسيرات العودة المتلاحقة التي أحبطت اكاذيب ترامب عن صفقة القرن المزعومة التي ظلت عنوانا فارغا لاشيء فيه إلا فتح خطوط العلاقة والتنسيق بين الكيان الصهيوني وحكومات عربية عميلة تخاف عصيان الأمر الأميركي بمقدار خوفها من الغضب الشعبي المحصن بثقافة الصراع ضد الكيان الغاصب وبعد هزيمة العدو في غزة يبدو واضحا أن أي تصعيد لجرائم الحرب الصهيونية على غزة سيضع مزيدا من التعقيدات في طريق مراهنات ترامب ونتنياهو على تعويم الدولة العبرية وتمكينها من الهيمنة في المحيط العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى