بقلم غالب قنديل

الدعوة الأميركية لوقف حرب اليمن

غالب قنديل

تراوح العمليات العسكرية لقوات الحلف الأميركي السعودي في مكانها عند العقد القتالية الصعبة وقد تحول ميناء الحديدة إلى علامة فارقة لفشل استراتيجي كبير لم تفلح في تخطيه تدفقات الأسلحة والذخائر الأميركية ولا مضاعفة حشد جيوش المرتزقة إلى المدينة التي أعلنت قيادة التحالف مرارا عن تحريرها ثم عاودت الهجوم عليها لاستعادتها دون ان تعترف بسقوطها في قبضة قوات “أنصار الله ” والجيش اليمني وبينما يبدو نافرا عجز قوات العدوان عن التقدم رغم كثافة القصف الجوي تطورت القدرات الرادعة لدى الوحدات المدافعة عن اليمن سواء في نوعية الصواريخ ودقتها ومداها الجغرافي أومن خلال ما تظهره من براعة وقدرة في قيادة العمليات البرية وتطور منظومات القيادة والسيطرة.

ظهر كل من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ووزير الحرب الجنرال جيمس ماتيس يدعوان بالتناغم إلى وقف هذه الحرب ومباشرة خط تفاوضي لإنتاج التسوية السياسية الممكنة وقد حشد كل من الوزيرين العديد من الأسباب التي يجدان فيها حافزا كافيا للتجاوب مع مبادرة جديدة لتحريك المفاوضات التي اصطدمت سابقا بجدار التعنت الأميركي السعودي الإماراتي رغم تجاوب القوى الوطنية اليمنية .

إن التقاء مؤسستي الخارجية والبنتاغون على خيار معين في الملفات المحورية عادة ما يعكس التقاء المؤسسة الأميركية الحاكمة على ذلك الخيار وضغطها لتحقيقه بناء على حساب المصالح الأميركية البعيدة والمتوسطة واللافت ان خيار وقف الحرب سيعني بأي شكل تراجع التدفقات المالية التي حصدتها شركات صناعة السلاح والذخائر الأميركية في موسم حرب اليمن وقد تباهى الرئيس الأميركي بإنجازاته الكبرى من خلال ما تم توقيعه من عقود توريد عسكرية بين واشنطن والرياض منذ توليه الرئاسة.

ما هو التقدير الاستراتيجي الأميركي الذي أوصل صانعي السياسات إلى تبني خيار الدعوة إلى وقف الحرب على اليمن والعمل على مساعدة المملكة السعودية على التكيف مع هذا الخيار وهل بات استمرار الحرب متعذرا ولأية أسباب.

بالتأكيد ليس في عداد الحيثيات صحوة ضمير اميركية على فظاعة المذابح وعمليات القتل الجماعي وخطورة المجاعة الزاحفة وضحاياها المتزايدين من الأطفال اليمنيين رغم ان فظائع تلك الحرب تفاعلت بوضوح على صعيد الرأي العام الأميركي وبلغت أصداؤها قاعات الكونغرس.

إن تمويل حرب بحجم العدوان الهمجي على اليمن هو عملية مكلفة وباهظة الكلفة ومن الطبيعي التعامل بواقعية مع الأرقام المتداولة التي تحتسب بالمليارات شهريا فواتير التكاليف الجارية في هذه الحرب من استئجار الأقمار الصناعية وخدماتها إلى عقود الخدمات الأمنية والعسكرية لشركات المرتزقة من بلاك ووتر ومثيلاتها التي نشرت تقارير عديدة عن دورها في اليمن وكذلك ما يدفع من اموال للحكومات المشاركة سياسيا وعسكريا في هذه الحرب وكذلك لمجموعات الغطاء الإعلامي العربية والأجنبية وما يكلفه تمويل خدمات مجموعات الضغط الداعمة في الولايات المتحدة نفسها وغير ذلك الكثير من أبواب التمويل المرهقة التي تنوء بها اقتصاديات دول أضخم بكثير من طاقة المملكة السعودية ودولة الإمارات على التحمل.

إن ربط توقيت الموقف الأميركي باغتيال الصحافي جمال خاشقجي له صلة بالتقاط فرصة سانحة لتطويع تصلب وعناد القيادة السعودية المحاصرة بالضغوط والتي تمعن في سلوك لحس المبرد من خلال استمرار حرب اليمن التي ينضب بواسطتها مزيد من الموارد في ظل متاعب اقتصادية متفاقمة ربما يوصل تماديها إلى تفاعلات مكلفة سياسيا وقد تمثل تهديدا لمستقبل النظام السعودي الذي يشكل حلقة رئيسية في منظومة الهيمنة الاستعمارية الغربية الصهيونية على المنطقة.

إن التصريحات التي صدرت عن كل من الوزريرين ماتيس وبومبيو تؤكد حقيقة ان الولايات المتحدة هي من يقف خلف الحرب على اليمن بل إن وزير الحرب تمادى في شرح حجم تدخلات البنتاغون وخبرائه في تعيين الأهداف وتصويب عمليات القصف التي ازهقت أرواح آلاف اليمنيين وطبعا فالذريعة الأميركية لفظاعة المذابح هي انخفاض مستوى مهارة الطيارين السعوديين والإماراتيين الأمر الذي يحتاج سنوات من التدريب والتأهيل.

الخشية من انقلاب الصورة في اليمن ومن تداعيات داخل المملكة السعودية قد تمثل تهديدا للنظام الدائر في الفلك الأميركي تظهر بقوة من بين السطور الأميركية وواشنطن تعرف ضراوة السباق الأميركي الصيني إلى سواحل اليمن المقابلة لشاطئ أفريقيا وأسواقها وهي تخشى كذلك من تزايد الحضور الروسي في جنوب اليمن كما شرح تقرير أصدره معهد كا رينجي في حين يمثل النفوذ الإيراني الداعم للقوى الوطنية اليمنية بيت القصيد في الخطط الأميركية العدوانية وخلف كل ذلك يطل حساب صهيوني للتوازنات اليمنية يجد في تحكم القوى الوطنية بالممرات البحرية رأس جسر لطوق يقيمه محور المقامة في سجال المواجهة المستمرة على جغرافية المنطقة العربية.

قد تخمد جبهات القتال في اليمن وتتراجع حدة المعارك من غير إنتاج تسوية يمينة داخلية وفقط لأن خطوط القتال تراوح في مكانها وسط عجزمتبادل عن التقدم لتعديل التوازن الميداني بينما تتوالى جولات التفاوض السياسي إلى ان تنضج صيغة تسوية ممكنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى