بقلم غالب قنديل

حصاد السنتين النوعي وطنيا

غالب قنديل

من الأخطاء المنهجية الشائعة أن يعامل عهد الرئيس ميشال عون بخلفية المعايير التي تنتمي إلى دستور 1943 الذي تم تعديله ووقع فيه تغيير كبير على حجم دور وصلاحيات رئيس الجمهورية اللبنانية الذي كان محصنا بصلاحية مطلقة بينما بات منذ الطائف من المستحيل النظر إلى دور الرئاسة الأولى بمعزل عن مؤسسة مجلس الوزراء وتوازناتها ومكوناتها من القوى السياسية الشريكة في الحكم الائتلافي بطبيعة الأمور في نظام سياسي طائفي.

من عناصر قوة الرئيس العماد ميشال عون مكانته التاريخية في الجيش اللبناني وما اكتسبه كزعامة شعبية ووطنية وكذلك وجود قوة سياسية رئيسية خلفه هي التيار الوطني الحر بما يمثله شعبيا داخل المجتمع اللبناني لكن ذلك لا ينفي ان معاينة حصاد عامين من ولايته الرئاسية هي محكومة بالواقع السياسي وبالتوازنات وبالممكن من التفاهمات مهما ارتفع سقف الطموحات والآمال المرتجاة والمتوقعة فكيف بما يتمناه الخيال الشعبي القلق والباحث عن خلاص من جحيم التدهور الاقتصادي والسياسي ومن وطأة هجرة البنات والأبناء وشح الموارد وانعدام الفرص.

إن القضية المركزية التي تقاس بها المواقف والخيارات وتبنى عليها معايير النجاح والفشل في بلد كلبنان ومن حيث الأولوية المركزية والمحورية هي الموقف من منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية وفي هذا المجال كانت مواقف الرئيس ميشال عون قوية وواضحة ولمسنا مجددا مناقبيته المبدئية الرافضة للمساومة على القضايا المصيرية فوجدناه في جميع المحافل والمناسبات يرفع الصوت دفاعا عن المقاومة كخيار وطني لبناني في تحرير الأرض وفي الدفاع عن السيادة كما أشهر الموقف الوطني والقومي الصارم من قضية فلسطين وكان الصوت العربي البارز الذي عبر بقوة عن هذه القضية الموجعة والمصيرية وسط مناخ استسلام وتطبيع يزحف على الواقع العربي الرسمي إذعانا للتوجيهات والطلبات الأميركية الغربية ولم يأبه العماد عون لظهور مواقفه كسباحة عكس التيار الأميركي الجارف.

أما في شأن العلاقة بسورية فقد كانت مواقف الرئيس ميشال عون ومبادراته امينة لمفهوم علاقة الأخوة والمصير المشترك ولمصالح لبنان رغم ضغط الخارج ورغم المعادلات السياسية الداخلية التي كبحت أي جهد يرغب فيه الرئيس واقعيا لتطوير العلاقات مع دمشق انطلاقا من استشرافه لمصالح لبنان المستقبلية اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا وقد حقق التنسيق الممكن مع القيادة السورية وترك الباب مفتوحا لالتقاط الفرصة السانحة لخطوات واسعة ونوعية مقبلة ويحسب للرئيس ميشال عون أنه عكس ما أشاعه الخصوم أثبت قدرته وحرصه على إنتاج التوافقات الداخلية الممكنة في قضايا الاختلاف السياسي وهذه عملية صعبة في بلد يعاني من حدة الانقسامات السياسية والطائفية التي يتداخل فيها العديد من المؤثرات الخارجية.

كانت إدارة الرئيس ميشال عون لأزمة اختطاف الرئيس سعد الحريري في الرياض نموذجا لدينامية سياسية خاصة ولإرادة وطنية صلبة في مقاومة الضغوط والإملاءات وقد أظهر شجاعة وحزما في عدم المسايرة ورفض الخنوع عندما أنذر بالتحرك الدولي وجاهر بموقف صارم سياسيا.

توقع كثيرون في الغرب وفي لبنان والمنطقة سلوكا مسايرا للحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي بعد تسلم العماد ميشال عون للرئاسة وقد حمل الموفدون والسفراء إغراءات كبيرة لمراودة الرئيس ومساومته على مواقفه المبدئية من المقاومة وسورية وفلسطين فبدا مفاجئا للأصدقاء والخصوم بوضوح ما يعلنه من مواقف مبدئية وانهارت حملات التشكيك التي كانت تربط ما يعلنه من مواقف بالطموح الرئاسي فإذا بميشال عون الرئيس أشد صلابة في الخيار الوطني المبدئي في بعبدا عما كانه في الرابية زعيما سياسيا وشعبيا.

مشكلة الواقع السياسي اللبناني انه غارق باستمرار في مفردات الصراع السياسي المحلي وتشنجاته وهو صراع على النفوذ تتشابك فيه مصالح وطموحات يتساوى الأفرقاء في درجة التمسك بها والتعبير عنها وذلك من طبيعة الأشياء فالأحزاب ليست كائنات معلقة فوق المجتمع بل هي محكومة بالصراع والتنافس وهنا ميزة للرئيس عون انه وضع حدا فاصلا يمنع تقديم عناوين مفردات الصراع والتنافس المحلي في السلطة وحولها على القضايا الوطنية الجوهرية التي أثبت جدارة في حملها والتعبير عنها كرئيس للجمهورية وهذا هو المعيار الرئيسي للنجاح.

لقد شكل انتخاب العماد ميشال عون نقطة انطلاق لنهوض الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية ولتكاملها مع المقاومة في مجابهة الغزوة التكفيرية الإرهابية التي هددت لبنان وكانت خطرا وجوديا على البلد وكان وجود هذا الرئيس عنصر تحفيز ودفع لحسم سريع في معارك الجرود وفي تحصين البلد ضد الخروقات الصهيونية والتكفيرية.

في مستوى الطموحات السياسية الإصلاحية كان ما حققه الرئيس ميشال عون خلال العامين الماضيين متواضعا فقد أنجز انتقال الدولة إلى مرحلة انتظام المالية العامة في الموازنات وهي بديهية سقطت بقوة في السنوات الماضية والرئيس مصمم على نقل الأداء الحكومي إلى مباشرة قطع الحسابات ومكافحة الهدر وسيكون هذا بذاته خطوة مهمة في تاريخ النظام اللبناني لو رسم العهد خطا فاصلا مع الماضي.

كانت بصمة العهد الإصلاحية سياسيا هي تدشين اعتماد النسبية في قانون الانتخاب على رغم ما فيه من عيوب باقية في تقسيم الدوائر ومع استمرار القيد الطائفي وتعطيل المادة الخامسة والتسعين من الدستور التي نأمل ان يبادر الرئيس ميشال عون إلى تحريكها بالشراكة مع الرئيس نبيه بري الذي كان المبادر الوحيد على هذا الصعيد في نظام الطائف ولمرات عديدة ولتكن بصمة العهد الأبرز على طريق دولة تحصن الاستقلال بتدشين التدرج في تجاوز الطائفية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى