بقلم غالب قنديل

سورية والعروبة

غالب قنديل

يحاول البعض التقليل من قيمة ومكانة العروبة في سورية ودورها القومي وذلك يجري اما في صورة ردة فعل عشوائية غاشمة على ضلوع حكومات عربية في العدوان على سورية وهي لم تكن تاريخيا حليفة لها في خيارها التحرري ونهجها المقاوم للهيمنة الاستعمارية الصهيونية أو أنه امتداد لمناخ عام رافق انحسار الحركة الشعبية العربية التي ميزت عقودا ماضية سميت بالعصر الذهبي للقومية العربية لاسيما في الحقبة الناصرية .

العروبة كهوية قومية هي الرابط الثقافي التاريخي الذي يشد نسيج مجتمعاتنا الفسيفسائية المتنوعة دينيا وعرقيا وهي التعبير التراكمي عبر التاريخ لمصير مشترك ومعارك واحدة ضد التهديدات والتحديات ناهيك عن وحدة المصالح والتطلعات.

لقد برهن الصراع التاريخي المتواصل ضد الاستعمار الغربي والصهيونية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين على ان العروبة هي الرابط القومي لبلداننا ولكفاحها التحرري في المشرق والمغرب وشمال افريقيا حيث ما تزال قضية التحرر من الهيمنة الاستعمارية الصهيونية هي التعبير الواحد عن اي استقلال أوتقدم أو تنمية.

وهاتيك تجارب البناء القطري المنعزل عن الشراكة القومية في اطار العروبة تتصدع تحت وطأة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية وهي لا تمتلك مقومات الصمود امام الغزوات والاخطار العابرة للحدود ومع توسع الخطر الصهيوني الذي لم يعد حكرا على شعب فلسطين بل هو حقيقة قاهرة في الصومال واريتريا واليمن وجيبوتي ناهيك عن مصر والسودان والشمال الافريقي وغني عن البيان تهديد الصهيونية لسورية ولبنان والعراق ومصر.

شكلت العروبة خلال الحقب الماضية قوة حاسمة لنهوض سورية ودورها المعادي للاستعمار وقد برهنت الحرب العدوانية التي تصدت لها سورية خلال السنوات الماضية على استحالة تحقيق الحصانة والحماية بالانكفاء عن الدور والموقف في المحيط فمنظومة الهيمنة طاردت الدور السوري والارادة السورية الحرة الى الداخل ولم تسع فقط للتخلص من دور سورية القومي.

جاهر الحلف الاستعماري بأهدافه المتمثلة في التدخل داخل سورية وتكوين نظامها السياسي لالحاقها بمنظومة الهيمنة في المنطقة بعد سحق دورها القومي الذي كانت ولا تزال العروبة هي رافعته التاريخية والحضارية.

ان حركة سورية انطلاقا من الشرق العربي بقضية فلسطين التي هي مركز النضال التحرري كما كيان العدو الغاصب هو مركز منظومة الهيمنة الاستعمارية تستمد اليوم قوة مضافة بالتشابك الوجودي الذي حصل خلال السنوات الاخيرة بين سورية ولبنان والعراق واليمن في دحر غزوة التكفير التي حركها وقادها الحلف الاستعماري الصهيوني.

اما مواكبة العصر وتحدياته فهي تقتضي بداهة شراكات عابرة للحدود القطرية والقومية وستكون قوة سورية مضاعفة في اي شراكة دولية لو تحركت بشراكات عربية وبنواة تكتل قومي بينما يستحيل بناء خطة لأمن سورية القومي خارج فهم موقعها ومكانتها القومية ودورها في محيطها القريب والبعيد.

صمدت سورية عبر التاريخ بوصفها قلعة العروبة العصية التي تنكسر عندها الغزوات مهما حققت من مكاسب في المحيط السوري وكانت تلك الغزوات تندحر مهزومة عن المنطقة العربية باكتمال نهوض القوة السورية ومنها كانت صفة قلب العروبة التي يحن اليها السوريون ويتفاخرون بها.

ثمة حاجة اكيدة لبناء ثقافي وفكري جديد يطور مضامين العروبة ويعمقها ولكن يجب أن ينطلق من اعتناقها وترسيخها وهو يقتضي عملا شجاعا ومبادرا ثقافيا وسياسيا وفكريا يلحق الهزيمة بنزعات رجعية تنطلق بالتنكر للعروبة وبغض النظر عن النوايا فجهنم مبلطة بأصحاب النوايا الحسنة كما قيل قديما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى