بقلم غالب قنديل

فلسطين مادة مغيبة في مناهجنا

 

غالب قنديل

النظام السياسي الطائفي التابع لا يقوم فقط بطحن الجبال وتدمير الأنهار وتخريب الصناعة والزراعة لعيون سيادة المصارف المرتبطة بالهيمنة الأجنبية والمجندة لخنق المقاومة وأهلها بل اكثر إن في هذا النظام من يعمل على تعقيم الوعي وطمس التاريخ فبكل بساطة تم محو فلسطين من مناهج التعليم منذ العام 1997 بينما يجري تسريب الكتب التي تعتمدها بعض المدارس وهي تعمم خريطة للمنطقة فيها “إسرائيل” وثمة كتب أخرى بالفرنسية والإنكليزية مستعارة من المناهج الأجنبية يوصف فيها “الإسرائيلي” بالصديق.

ذريعة تعليق تعليم قضية فلسطين بقرار من لجان المناهج هي تحاشي فتنة داخلية ويبدو ان الحصيلة توصل إليها جهابذة التوجيه المنظم لأمركة المناهج التي انطلقت مع تأسيس المركز التربوي وخصخصة التعليم الجامعي منذ عقود ورحمات الله الواسعة على ميشال شيحا وموريس الجميل وريمون إده الذين رفعوا راية التصدي للصهيونية وقالوا إن الكيان الصهيوني هو خطر وجودي على لبنان وأفاضوا في تشخيص أطماع العدو بأرضنا ومياهنا ودورنا الاقتصادي في الشرق وخلصوا إلى انه لو اعترف العرب كلهم بكيان العدو فعلى لبنان ألا يصالح.

كيف تحذف فلسطين من مناهجنا التربوية ؟ وكيف يتعلم اطفالنا ان لبنان تحده إسرائيل جنوبا؟ وكيف لا تدرس تلك الأجيال شيئا عن صفحات المقاومة والجيش المجيدة في الدفاع عن الوطن ؟ أو عن الانتفاضة الفلسطينية والبطش الوحشي لقوات الاحتلال ؟ ومتى ينتهي النقاش البيزنطي حول المضمون التربوي لحصة فلسطين والنكبة وقيام الكيان الاستعماري الصهيوني والحروب الصهيونية ضد الدول العربية وعن المقاومة اللبنانية التي حررت الأرض وعن الميليشيات العميلة التي ارتبطت بالعدو وعملت في خدمته فتسامحت المقاومة مع عناصرها وتركتهم للقضاء ؟؟!

إن البديل الوحيد لتعليم الحقيقة التاريخية هو التلفيق والتزوير وتعميم الأكاذيب فهل يخدم ذلك بناء اجيال واعية تحفظ دروس الماضي وعبره لتتصرف بحكمة وبوطنية في شؤون المصير الوطني؟ .. قبل المؤتمر الصحافي الذي حضرته بدعوة من الصديق الدكتور سماح ادريس ورفاقه كنت جاهلا بتفاصيل كثيرة عن هذا الملف الذي يثير الذهول فمنذ واحد وعشرون عاما لم يتعلم اطفالنا وفقا للمنهج القائم شيئا عن اغتصاب فلسطين واقتلاع شعبها وتشريده وعن قيام الكيان الاستعماري الاستيطاني على أرضها وهو مركز الهيمنة الاستعمارية على منطقتنا ومصدر حروب الهيمنة ومحورها.

في هذه الأعوام كبر الآلاف وانتقلوا بعقول مسطحة ومعقمة إلى الجامعات وربما إلى أسواق العمل وهم تعلموا أن إسرائيل جارة وفلسطين غير موجودة كأنه لا يكفي ما يفعله الإعلام اللبناني من كوارث البطش بالوعي اللبناني في الترويج التطبيعي للعديد من المظاهر والممارسات الإعلامية والثقافية والفنية التي هي سموم يتجرعها اطفالنا دون حسيب او رقيب.

المشكلة الأدهى أن مبادرات التصدي لهذا الخطر الزاحف والمتسلل إلى مجتمعنا يتنكبها ناشطون يتعرضون للحصار والتطاول لكنهم مصممون على المضي وبينهم خبراء تربويون وأساتذة في الجامعة ومن مختلف مراحل التعليم .

المطلوب نقاش عاجل لهذه المعضلة الكارثية في مجلسي النواب والوزراء واتخاذ قرار حاسم بشأنها استنادا لما حسمه الدستور عن هوية لبنان وموقعه من الصراع العربي الصهيوني وانطلاقا من تجربة لبنان الحية والصمت على ما يجري خيانة للوطن الذي ضحى آلاف الشباب من المقاومين والجنود بأرواحهم في سبيل حمايته من العدوان الصهيوني المستمر وحملات التدمير والقتل المباح.

مناهج التعليم وقواعد الممارسة الإعلامية هي مفاتيح التنشئة الفعلية في المجتمعات وهي أولويات تتقدم على التيه في صراعات التقاسم والمحاصصة ويجب ان تفرض على طاولة البحث والاهتمام هذه القضية التي لا يعقل الصمت عنها فهذا الذي يجري لا يقل خطورة عن العقوبات الأميركية لخنق المقاومة بل هو استكمال لها لأنه تدجين لوعي الأجيال الصاعدة ومسح للذاكرة وشطب لفكرة العداء للصهيونية ولمشروعها في المنطقة ولكل ما يتصل بالهيمنة الاستعمارية التي تتخذ من إسرائيل حصنا مركزيا لبسط نفوذها وسيطرتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى