بقلم غالب قنديل

الردع الصاروخي والدفاع الجوي

غالب قنديل

شكل امتلاك القوة الصاروخية مفتاح التحول الكبير في قدرات الدفاع والردع لدى محور المقاومة خلال العقود الثلاثة الماضية وهو ما انطلقت مظاهر قوته الفاعلة في صد العدوان الصهيوني على لبنان في حرب “تصفية الحسابات” في تموز1993 وحرب “عناقيد الغضب” في نيسان 1996 عندما فرضت القدرة الصاروخية الرادعة لحزب الله إذعانا اميركيا وإسرائيليا سافرا ترجمه خضوع وزير الخارجية الأميركي الأسبق وارن كريستوفر لمشيئة القائد الراحل حافظ الأسد بإصدارتفاهم نيسان في بيان رسمي عن الخارجية الأميركية من واشنطن فانتزع اعترافا أميركيا موثقا بشرعية المقاومة وبحقها في الرد دفاعا عن شعبها ضد أي اعتداء صهيوني يخرق التفاهم الذي شكلت لرعايته لجنة عسكرية لبنانية صهيونية بمشاركة ضباط من سورية وفرنسا والولايات المتحدة.

وضع سلاح الصواريخ في تلك المجابهة حدا لغطرسة صهيونية جوية حصن القائد الأسد أجواء بلاده ضدها بمنظومات صاروخية مضادة للطائرات ليحمي دورها كقاعدة حاضنة لقوى المقاومة الشعبية التي تستنزف العدو في فلسطين ولبنان وقد أعادت سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد مؤخرا وبينما تواصل القتال بناء منظومات دفاعها الجوي بعد الدمار الذي ألحقته بها عصابات التكفير التي حركتها المخابرات الأطلسية الصهيونية بأدوات خليجية أردنية وتركية.

سجل الضباط والخبراء السوريون في قوات الدفاع الجوي إنجازا مهما بتطويع التكنولوجيا من خلال تحديث المنظومات السوفيتية القديمة وتحويلها إلى شبكة متحركة للدفاع الجوي أثبتت فاعليتها عدة مرات مؤخرا وبالذات منذ إسقاط الطائرة الصهيونية الشهيرة وعبر التصدي المتكرر لصواريخ أطلسية وصهيونية أطلقت من الجو والبحر.

سورية التي تتمسك بمحورية الصراع ضد العدو الصهيوني تقيم شراكة وثيقة مع إيران في صناعة منظومات الدفاع الصاروخية وهي اكتسبت التكنولوجيا من جميع المصادر المتاحة لذلك فوطنتها ودربت جيشا خاصا من المهندسين والخبراء السوريين الذين حققوا في الأعوام الأخيرة إنجازات مهمة وفاعلة في بناء شبكات الدفاع الصاروخي وفي تطوير صناعة الصواريخ السورية التي قال تقرير فينوغراد انها كانت مصدر ما يزيد على ثلاثة أرباع الصواريخ التي استخدمها حزب الله في حرب تموز وتحدث خبراء صهاينة بعد ذلك عن تأسيس منظومات لتصنيع الصواريخ لدى المقاومة اللبنانية والفلسطينية.

بكلمة إنه خطر انتقال وتعميم التكنولوجيا داخل المحور وهذا الأمر هو السر الحقيقي لاستهداف مراكز البحوث والمعاهد الفنية والتقنية ومعامل الدفاع خلال سنوات العدوان على سورية وهو الاستهداف الذي تناوبت عليه مجموعات القاعدة وداعش وعصابات عميلة متعددة على الأرض السورية وكذلك طائرات العدو الصهيوني وحكومات الناتو التي عملت بكل طاقتها لتخليص إسرائيل من قدرات الردع السورية.

الردع الصاروخي هو ما يحمي لبنان اليوم من خطر العدوان الصهيوني وإنتاج وابتكار تقنيات الردع والقدرة على نقلها وتعليمها هو في الوقت نفسه ما يعرض سورية لعمليات عدوانية متكررة بوصفها مصدرا منتجا لهذه القدرة.

تعهد قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله باسم المحور مجتمعا بتوفير الحماية للأجواء السورية واللبنانية أي إنشاء شبكات الدفاع الجوي المتطورة التي تحمي الفضاء اللبناني السوري الواحد من الاعتداءات الصهيونية الجوية البالغة حد ما يمكن وصفه بالاستباحة المستمرة من خلال التحليق الصهيوني في الأجواء اللبنانية لقصف أهداف حساسة داخل سورية ترتبط بمنظومة الردع الدفاعي.

لدى حزب الله والقيادة السورية مجموعة من الخيارات لتحقيق هذه الغاية التي سيكون إنجازها انقلابا كاملا في توازن القوى بتحريم التحليق الصهيوني في اجواء سورية ولبنان التي تقضي طبيعة الأشياء ان تعامل كسماء واحدة بمنظومات دفاعية لبنانية سورية مشتركة وللأسف فإن العائق امام هذا التحول هو ان القرار اللبناني خاضع للوصاية الأميركية السعودية وفقا لما تفرضه تفاهمات الشراكة في السلطة السياسية للنظام الطائفي الأشوه بين حلف المقاومة السيادي وأطراف لبنانية أخرى تابعة لحكومات الوصاية في واشنطن وباريس ولندن والرياض تمنع أي تحريك جدي للعلاقات اللبنانية السورية ولاتفاقات التعاون القائمة بشأنها ولعل في تلك الغاية أيمنع تطوير الردع الدفاعي بعض من خلفيات الفراغ الحكومي المستدام.

ما هو الطريق الذي سيختاره كل من حزب الله وسورية في التعامل مع هذا التحدي الجديد وأي الخيارات سوف يتبنى المحور؟ فلنترك تخمين ذلك للحيرة الصهيونية المتجددة مع يقيننا بأن وعد السيد نصرالله سيكون كالعادة محققا في وقت غير بعيد وعندها سيفرض تحول تاريخي في الصراع العربي الصهيوني وسيكون هو الأول من نوعه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى