بقلم غالب قنديل

من يعوض خسائر هدر الزمن ؟

غالب قنديل

منذ الثورة الصناعية بات الزمن بعدا حاسما ورئيسيا في أي عملية اقتصادية وعليه قيست فاعلية التقدم التكنولوجي الهائل الذي حقق وثبات كبرى في كثافة الإنتاج ونوعية السلع المنتجة وكلفتها وسرعة انتقالها إلى الأسواق والزمن لايقيم وزنا لبلادة القادة والمسؤولين والأنظمة في التعامل مع الأحداث والتحديات والفرص.

في لبنان يهدر الزمن بلا طائل والنظام الطائفي يحقق مردودا ضخما عن هذا الطريق لصالح الهيمنة الاستعمارية بهدر الزمن وتضييع الفرص او بإجهاضها وإعدام فاعليتها على الأقل وعلى سبيل المثال لا الحصر خسر لبنان عقودا من الزمن بخضوعه للقرار الأميركي الصهيوني بمنع مباشرة استكشاف النفط والغاز في البر والبحر وهذا الخضوع لم ينته إلا بفضل معادلة القوة التي فرضتها المقاومة ولكن العرقلة مستمرة ولا يملك احد من المعنيين القدرة على إنكار أن تأخير التشريعات والقرارات التنفيذية الخاصة بهذا الملف أعطى لإسرائيل مسافة السبق الضروري لمباشرة الإنتاج وللسطو على بلوكات لبنانية في البحر.

بكل بساطة كان لبنان سينجو من حزمة مشاكل وكوارث وصعوبات اقتصادية ومالية لو نفذت خطة البناء بعد الحرب التي وضعتها حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي بكلفة متواضعة وبأهداف مجدية ومن خارج مشروع النهب القياسي والمديونية الربوية وخرائط شركة باكتيل واوهام التطبيع مع العدو الصهيوني ولاختلفت جميع العوامل الفاعلة في الواقع الاقتصادي والمالي.

ماذا لو نفذت خطة بناء شبكات التوليد والتوزيع الكهربائية التي اقترحها الراحل جورج افرام من خارج طرق الهدر ومنظومة القسمة الريعية التي كرسها حكم الطائف بشركائها المعروفين لكنا اليوم امام وضع مختلف وقد كلف الزمن المهدور عشرات المليارات من الدين وفوائده وتقاضت حفنة المنتفعين عمولات ملطخة بعرق ودماء الشعب اللبناني ومعاناة خطيرة للناس هي وسمة تخلف فاضحة.

ماذا لو تم إحياء السكك الحديدية في التسعينيات وتم شبك الأرياف بالمدن بدلا من التضخم الخطير للمدن والضواحي الذي حول البلد إلى كاراج كبير وزاد من مخاطر التهميش الاجتماعي والاقتصادي وضاعف أرباح وكلاء الشركات الأجنبية وزاد من اكلاف جميع عمليات نقل البضائع ؟.

اليوم نستطيع توقع اننا سندفع كلفة طائلة نتيجة الزمن المهدور في تعطيل الجهد المنشود للتكامل الإقليمي واللحاق بركب طريق الحرير الجديد نتيجة الوصاية الأميركية السعودية الفرنسية التي تجمد كل قرار لبناني جدي بتطوير العلاقة مع سورية والعراق وإيران وروسيا والصين فهذا الزمن سيكلف لبنان خسائر طائلة وكثيرا من الفرص التي ستغدو اعلى كلفة بفعل مرور الزمن وتأخر لحظة انطلاق الجهد اللبناني المناسب.

على مستوى ادنى بكثير نسأل ماذا لو ان نظام الريع والسمسرة رضخ لتبني وصفة حضارية تقوم على اعتماد الفرز والتدوير في التعامل مع النفايات بدلا من ريع سمسرات سوكلين الذي كان جزءا من محفظة التقاسم المالي والنهب المتجدد للنظام الطائفي.ألم نكن اليوم قد رسخنا تقاليد جديدة على صعيدين فردي وجماعي في التعامل مع النفايات المنزلية والصناعية والطبية ونجونا من كارثة بيئية شاملة ؟ ولو ان مجلس الإنماء والإعمار وضع خطة وطنية لبناء شبكات المجاري والصرف الصحي ومحطات التكرير وباشر تنفيذها منذ التسعينيات ألم نكن قد انقذنا شواطئنا وانهارنا من الكارثة الراهنة التي صارت كلفة إزالتها أكبر من كل ما كان مطلوبا للحل الجذري الشامل ؟

ونسأل أيضا لو انطلقت في التسعينيات خطة جدية لتطوير الجامعة الوطنية والمدارس العامة والمستشفيات الحكومية ألم نكن نحقق اليوم افضل نظام وطني تعليمي وصحي مناسب لحاجاتنا الوطنية بدلا من تضخم منظومة نهب طفيلية على حساب الشعب اللبناني وحقوقه البديهية؟ وألم يكن ممكنا توجيه الرساميل الطامحة بجدية إلى الاستثمار في مجالات متقدمة من التعليم والخدمات الطبية لتطوير فرص تنمية السياحة المتخصصة والخروج من عقلية العلية والكازينو والدعارة المنظمة ؟

ونختم بسؤال مركب يختصر كل شيء ترى لو رسمت السياسات العامة للحكومات المتعاقبة بناء على المصالح الوطنية العليا طيلة العقود الفائتة بعيدا عن الاستشارات المسمومة للشركات وللصناديق والوكالات الأميركية والدولية وخارج الارتهان للوصاية والهيمنة الأميركية السعودية ألم يكن البلد بمنأى عن الأزمات والكوارث التي تخيم أشباحها في جميع المجالات الاقتصادية والبيئية والصحية والاجتماعية ؟

للزمن ثمن والمسافات الفاصلة ستكون كلفة مضاعفة تدفعها الأجيال ثمنا للتأخر في مواجهة التحديات والتقاط الفرص وينعقد التحدي السياسي الراهن لأي تقدم يحتوي الكوارث ويخلص البلد ويفتح أبواب التطور الجدي عند التحرر من تأثير الوصاية الأميركية السعودية الفرنسية على القرار اللبناني الذي يفرض تأخير المبادرات والتحركات اللبنانية لمواكبة التطورات الإقليمية والدولية والتقاط الفرص على قاعدة ان تاتي متاخرا فخير من ألا تأتي…وحتى لا يتكرر الصراخ نفسه بعد ثلاثين عاما من هاوية أعمق بكثير مما نحن فيه اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى