بقلم غالب قنديل

أوهام خائبة عن صفقة روسية أميركية

غالب قنديل

اعترف جون بولتون بطريقة مواربة بفشل المحاولات الأميركية لانتزاع تعهدات روسية بفرض انكفاء إيراني في سورية وبعد لقاء نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف في جنيف قال إن مثل تلك الغاية تبدو بعيدة المنال.

 

كلام بولتون هو في الواقع اعتراف مباشر من اشد الصقور تطرفا في إدارة الرئيس دونالد ترامب وهو الأكثر التصاقا بالكيان الصهيوني من بين اعضاء عصابة المحافظين الجدد التي سيطرت خلال ولاية دبليو بوش وقادت السياسة الأميركية النشطة التي جسدها الانخراط العسكري والسياسي الأميركي في قيادة حرب تموز 2006 وجميع التحركات العدوانية التي تلتها ومعه شريكه المتخصص في جرائم الاغتيال إليوت آبرامز.

هذه التصريحات تكشف ثلاث حقائق في المعادلة السياسية المحيطة بسورية وبميزان القوى الإقليمي :

  • الحقيقة الأولى تتعلق بمتانة التحالف الروسي الإيراني الذي شهد تطورات متسارعة اقتصادية وسياسية واستراتيجية في الفترة القريبة الماضية وقد وصف متحدثون ودبلوماسيون روس ظهروا عبر وسائل الإعلام إيران بالحليف الاستراتيجي وهذا التحالف الذي تجذر في الميدان السوري وتجلى بتعبيرات ميدانية كثيرة ارتقى إلى مرتبة عليا بالنظر لتداعيات ما بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني بحيث جرى تحويل الخطوة الأميركية إلى فرصة جدية للتأثير في المعسكر الغربي بفتح الأبواب امام خيارات اوروبية جديدة استراتيجيا واقتصاديا بمبادرة روسية صينية إيرانية تنطلق من مبدأ حماية الاتفاق كمعاهدة دولية صدقها مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ومن خلال العمل المشترك مع الاتحاد الأوروبي لتعويض إيران عن خسائر الانسحاب الأميركي.

  • الحقيقة الثانية هي تماسك الموقف الروسي الذي يستند لمرجعية القانون الدولي ولمباديء المشروعية التي يقود الرئيس فلاديمير بوتين حملة لتكريسها في العلاقات الدولية منذ سنوات وخصوصا بعد العدوان على سورية بقيادة الولايات المتحدة وحيث شاء الرئيس الروسي ان يكون الدور العسكري الروسي الحاسم في مقاتلة عصابات الإرهاب نموذجا قويا للرؤية الروسية انطلاقا من سورية فكان قدوم القوات الروسية الجوفضائية تنفيذا لاتفاق موقع بينه وبين رئيس الجمهورية العربية السورية وهو رأس السلطة الدستورية التي تعترف بها الأمم المتحدة وهي إطارالسيادة الوطنية والمشروعية القانونية في سورية وهي مرجعية القرار بشأن الحق في التواجد على الأرض السورية والشراكة في الحرب ضد الإرهاب.

  • الحقيقة الثالثة كشفت جميع جولات التفاوض الروسية الأميركية كيف أصرت موسكو على تأكيد ان السلطة الشرعية السورية هي التي تبت في شأن مشروعية أي تواجد غير سوري على الأرض وهو ما يجعل تواجد حزب الله والمستشارين الإيرانيين وجميع الوحدات المؤازرة للجيش العربي السوري وجودا شرعيا لأنه جاء بناء على اتفاق مع الدولة السورية او بطلب منها كما تكرر البيانات الروسية في رد مباشر على التصريحات الأميركية والصهيونية.

    انسجاما مع هذا المنطق المتماسك للسياسة الروسية لم يسبق ان قدمت القيادة الروسية أي التزامات لأي جهة ثالثة دون العودة إلى القيادة السورية لمناقشة الأمر واتخاذ القرار المشترك المناسب رغم عمق الثقة المتبادلة بين الحليفين وهذا ما حصل بالذات في مباحثات بولتون – باتروشيف.

بناء على ما تقدم يمكن فهم مسار المباحثات الروسية الأميركية بشأن سورية وقد جاءت الخلاصة الفعلية والمعبرة على لسان الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية من موسكو ماريا زخاروفا التي قالت “إن على واشنطن سحب قواتها الموجودة بصورة غير شرعية في سورية بدلا من الكلام عن التواجد الإيراني” واللافت ان التحرك الأميركي للضغط على روسيا في هذا الموضوع جاء بعد تصريحات اميركية غاية في الوقاحة عن تصميم واشنطن على إبقاء وحداتها العسكرية في سورية.

ليست المرة الأولى التي تكشف فيها الأحداث عن تبني الولايات المتحدة لأولويات إسرائيل من خلال احتضان مطالب تل أبيب في سورية بعد الفشل في إسقاطها وإحياء معادلات الردع الفاعلة وحتى قرار إبقاء الجنود الأميركيين على الأرض السورية ليس بعيدا عن التحسب الإسرائيلي لخطر التواصل السوري العراقي في أي حرب قادمة ضد محور المقاومة فمهمة القواعد الأميركية هي قطع الطريق بين سورية والعراق الذي تحرص واشنطن وتل أبيب على إبقائه خلف عازل جغرافي عن ساحات القتال المحتملة مع حزب الله والجيش العربي السوري ولعرقلة أي سعي إيراني للحشد إلى محاور القتال او التحرك اللوجستي تسهيلا للحشود العراقية واليمنية المحتملة التي نوه بها قائد المقاومة السيد حسن نصرالله.

في خلاصة الأمر سقطت جميع الأوهام والشائعات عن تعهدات روسية تتعلق بمصير التواجد الإيراني في سورية وبرهنت روسيا مجددا على مصداقيتها وتفوقها الأخلاقي ومتانة تحالفها مع الدولة الوطنية السورية ومع شريكتها الرئيسية إيران وينبغي لمن اخذتهم الأكاذيب ان يفتحوا عيونهم جيدا فهذا نموذج يصح التعامل بمعاييره مع الملف التركي أيضا على أبواب الحسم في إدلب حيث لا مساومات روسية في شؤون السيادة السورية ومرجعيتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى