بقلم غالب قنديل

التوازن المتحول في المنطقة

غالب قنديل

تشير الوقائع المتراكمة خلال السنوات الماضية إلى تحول تدريجي في موازين القوى لصالح محور المقاومة بعد نجاحه في صد الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية بواسطة عصابات التكفير والتوحش ويمكن القول إن المعطيات الجديدة التي تبلورت في الميدان السوري باتت مؤشرا على قيام معادلات مقلقة للكيان الصهيوني والولايات المتحدة بفعل نهوض القوة السورية ورجحان احتمال استرجاع دمشق لمكانتها الاستراتيجية ولفاعليتها وتأثيرها الإقليميين.

تشكل إعادة بناء قدرات الجيش العربي السوري التسليحية والقتالية مصدرا رئيسيا لقلق تل أبيب التي تركز خطابها على المطالبة بانسحاب المستشارين الإيرانيين وقوات المقاومة اللبنانية من سورية وهو ما اعتبرته روسيا علانية شأنا سياديا سوريا تقرره القيادة السورية بالشراكة الثنائية مع كل من الحلفاء الذين ساهموا في معاركها الدفاعية ضد قوى الإهاب التي كانت إسرائيل أبرز داعميها خلال السنوات الماضية.

كما برهنت الأحداث والوقائع ان الجيش العربي السوري استعاد قدرته القتالية بجميع ملاكاتها قبل الحرب وطور من سلاحه وتجهيزاته المحدثة إضافة لما اكتسبه من الخبرات والقدرات المضافة نتيجة التجربة الحية في الميدان ويجمع الخبراء الصهاينة على ان الجيش الذي حلم القادة الصهاينة بخروجه مدمرا ومسحوقا من الحرب يتأهب للخروج منها بصورة حديثة وقوية وفاعلة نوعيا بالقياس لكل ما سبق وهذا ما شرحة ديفيد ليبرمان مؤخرا في تصريح علني وتحدثت عنه تقارير صهيونية عديدة تناولت الخبرات والمهارات والتقنيات الحديثة التي اكتسبها الجيش العربي السوري.

اما المقاومة اللبنانية فقد راهنت تل أبيب علانية على اصطيادها وتدميرها في الميدان السوري بواسطة داعش والقاعدة وقد بشر القادة الصهاينة حزب الله بتبدده في ما أسموه المستنقع السوري وهم اليوم يعترفون بأنه خرج كذلك أشد قوة واوسع خبرة وأعلى فاعلية مما سبق وهم يخشون بوضوح من نتائج تواجده في سورية وشراكته الوثيقة مع الجيش العربي السوري وانعكاسها على منظومات الدفاع وتوازن القوى الاجمالي بل إن حقيقة الجبهة اللبنانية السورية الواحدة في الشمال تشكل هاجسا جديا في حساب تل أبيب لميزان القوى في أي حرب مقبلة ولقدرات الردع اللبنانية السورية.

لم يعد هاجس الصهاينة فحسب محاولة التعرف على ما كسب حزب الله من أسلحة ومهارات جديدة انطلاقا من شراكته التامة مع الجيش العربي السوري في المعارك ضد عصابات داعش والقاعدة بل التحسب لنتائج تلك الشراكة على توازن القوى في أي حرب قادمة.

سقط الرهان على إخراج قطاع غزة من محور المقاومة امام عزيمة فصائل المقاومة الفلسطينية التي أكدت خيارها واحبطت من الداخل محاولات اصطياد قيادة حماس انطلاقا من التورط بالحرب على سورية بتشجيع وغواية قطرية تركية اخوانية شكلت وعاء لفخ استسلام وخيانة رفضه المقاومون وفرضوا توازنا يحول دونه من داخل حركة حماس مما املى تغييرات قيادية لصالح خيار المقاومة والعلاقة بالمحور.

اكتسب محور المقاومة قوة مضافة في المعادلات من ملحمة الصمود اليمني ومن مسار المقاومة الشعبية العراقية لغزوة التكفير وهكذا فإن فصائل مقاتلة عراقية ويمنية ظهرت في السنوات الماضية اكدت انتماءها لخيار المقاومة ولمعسكر المقاومة وجاهزيتها للمشاركة في أي قتال سيندلع بين محور المقاومة والعدو الصهيوني وهذا بذاته تحول نوعي جديد في توازن القوى الاجمالي على صعيد المنطقة.

غزوة التكفير وطواحين الدم الجوالة شكلت خلال السنوات الثماني الأخيرة مضمون خطة لتدمير قدرات المحور المقاوم وهي مثلت محاولة خطيرة لتعديل البيئة الاستراتيجية التي صنعها نصر تموز وثبات سورية وإيران على خيار دعم قوى المقاومة واحتضانها منذ الثمانينات في القرن الماضي وقد رمى الكيان الصهيوني والغرب الاستعماري بكل ثقلهما ومعهما حكومات الرجعية العربية التابعة للغرب وشكلوا حلفا دوليا إقليميا من عشرات الحكومات الأجنبية والحصيلة النهائية هي الفشل وقلب الطاولة على رأس الكيان الصهيوني من جديد.

تملك سائر الحكومات المتورطة فرصا للتكيف مع النتائج لكن تل أبيب لا تملك هوامش مناورة واسعة فهي تبدو في حالة من القلق والارتباك والعجز لأن التطورات رسخت بيئة استراتيجية تعاكس نهجها العدواني ودورها كقوة احتلال وتهديد مستمر بخسارتها لصورة التفوق التي صنعتها بمعونة أميركية اطلسية لم تنقطع منذ اغتصاب فلسطين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى