بقلم غالب قنديل

قمة الوفاء الروسي لسورية وإيران

غالب قنديل

تبددت جبال من التكهنات والتوقعات عن مقايضات روسية على حساب الحلفاء والشركاء لاسيما سورية وإيران لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل وبدا الرئيس فلاديمير بوتين قائدا صلبا وثابتا غير مستعد للمساومة على حليف أو شريك متمسكا بثوابت ومصالح شركاء روسيا في الشرق وخصوصا سورية وإيران.

اكد دونالد ترامب اولوية امن إسرائيل وحماية إسرائيل فكان الرئيس بوتين صارما في ربط اتفاق فك الاشتباك بالقرار الدولي 338 الذي ينص على الانسحاب الإسرائيلي الشامل وغير المشروط وعودة الجولان كاملة إلى السيادة السورية.

طالب ترامب بتدابير ضد ما تعتبره الولايات المتحدة تمددا إيرانيا في المنطقة فتمسك بوتين بالشراكة الكاملة مع إيران في محاربة الإرهاب في سورية وفي العملية السياسية من خلال صيغة أستانة ودافع بوتين عن صورة إيران الدولية بتأكيد إنجازات الاتفاق النووي ولام واشنطن على انسحابها منوها بالتعاون الإيراني الدقيق مع الوكالة الدولية للطاقة النووية.

لم تكن قمة هلسنكي قمة للصفقات كما روج الواهمون تحت تأثير ذيليتهم واستلابهم الذهني بفكرة الهيمنة الأميركية المطلقة بل هي قمة ترسيم خطوط الاختلاف بين روسيا والولايات المتحدة وفتح خطوط الاتصال بين هاتين القوتين بعد قطيعة طويلة.

خطوط الاتصال بين الرئيسين وبين المؤسسات في البلدين فتحت بمبادرة روسية قدم معها الرئيس بوتين عرضا للشراكة في سوق الطاقة الأوروبية ولتنظيم التنافس بدلا من الحرب التجارية وقد تكفلت القمة بإنهاء القطيعة رسميا ولم تقدم روسيا أيا من التنازلات التي نادى بها المحافظون الأميركيون الجدد والقدامى فأكد بوتين على ضم القرم وعلى العمل للتسوية السياسية في اوكرانيا ودعا إلى التفاوض في ملف سباق التسلح النووي وسبل الحد منه في إشارة إلى مصير معاهدات واتفاقيات ثنائية بين روسيا والولايات المتحدة تنتظر التجديد او التعديل.

حتى ملف الاتهامات الأميركية لروسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي انتهت بفوز دونالد ترامب كان حاضرا وبثقة قدم الرئيس فلاديمير بوتين رؤيته وقال إنه كان متعاطفا مع احتمال فوز ترامب لكونه نادى بالتعاون مع روسيا بدلا من القطيعة والعداء عندما كان مرشحا نافيا الاتهامات الأميركية فاتحا خطوط الاتصال القضائي لتدقيق الاتهامات ضد أشخاص روس تزعم الرواية الأميركية انهم تدخلوا بالفعل عبر أنشطة تجسسية مذكرا بخبرته القديمة في عالم الاستخبارات.

ظهر الرئيس بوتين خلال المؤتمر الصحافي المشترك كزعيم عالمي يمتلك ثقة عالية بقوة بلاده منسجما في منطقه كرجل دولة يلتزم معايير القانون الدولي في التعامل مع سائر القضايا موضع النزاع وقد فرض حضوره كقائد لدولة عظمى شريكة في رسم التوازن العالمي مع الدولة التي تصرفت منذ أكثر من ثلاثين عاما كمركز للسيطرة الأحادية في العالم وعاملت روسيا العظمى بخفة وتجاهل.

إنه انتصار رسمي لوجهة النظر الروسية حول التعددية القطبية ورفض الهيمنة الأحادية الأميركية التي تفككت نتيجة صراع مرير خاضته روسيا إلى جانب حلف عالمي يضمها والصين والهند وإيران وسورية وجنوب أفريقيا والبرازيل وكان لصمود سورية في السنوات الثماني الأخيرة فضل كبير في صنع التحولات التي فرضت على الولايات المتحدة الرضوخ للندية الروسية ولمنطق الشراكة بعد عقود قاسية من التفرد.

لا لبن ولا عسل بعد هذه القمة بل بداية التأسيس لواقع دولي جديد ومساكنة متعددة الأطراف تحت سقف منع الاصطدام الكبير والبحث حول التفاهمات والتدابير الممكنة للحد من مخاطر التصادم الذي تتعدد مسببات وقوعه والانزلاق إليه في زمن الصراع الحاد والمنافسة العالمية الضارية على الموارد والأسواق.

ربحت روسيا وحلفاؤها الجولة الأولى لانتزاع الاعتراف بسقوط الهيمنة الأحادية على العالم وما بعدها يستمر الصراع والتنافس والتعدد في العالم وتكافح الدول المقاومة والمستقلة دفاعا عن مصالحها ودعائم سيادتها مستندة إلى جبهة متينة من الحلفاء الموثوقين بقيادة روسيا التي قدمت أمثولة في الوفاء لحلفائها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى