بقلم غالب قنديل

الجوهري في عقد التشكيل

غالب قنديل

لم يخطيء اللواء قاسم سليماني في توصيف التوازن الجديد لمجلس النواب اللبناني بعد الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخرا فالحقيقة المستجدة في لبنان ان احتساب الغالبية النيابية يتبدل حسب المواضيع الاستقطابية التي يدور حولها الفرز وبكل بساطة نعم هناك غالبية أربعة وسبعين نائبا يناصرون المقاومة ويساندون أفضل العلاقات مع سورية وإيران وروسيا وهم في أفضل المعايير مرونة وتساهلا يتمنون علاقات لبنانية متوازنة بين المحورين الكبيرين في العالم والمنطقة.

هذا هو التوصيف الدقيق وتلك الغالبية نفسها تفترق في قضايا وامور داخلية كثيرة كالموقف من العلاقة مع الرئيس ميشال عون او التيار الوطني الحر او في مسائل عديدة اقتصادية وسياسية تحتكم فيها الأطراف اللبنانية لخصوصيات سياسية ومناطقية ومصلحية.

عندما يجري التشديد على تشكيل حكومة وحدة وطنية تعكس نتائج الانتخابات فمعنى ذلك مراعاة الأوزان التمثيلية التي جاءت بها النتائج وهو ما يعبر عنه تشكيل حكومي ستكون غالبيته موازية لهذه الغالبية الموصوفة حول المقاومة وسورية وإيران وروسيا وهذا يرسم بالضرورة خيارات سياسية واستراتيجية مختلفة لا يريدها محور الهيمنة الأميركي السعودي الذي له حلفاء داخل التركيبة اللبنانية ويؤثر مباشرة على مواقفهم وأبرزهم ثنائي القوات والمستقبل وشريكهما السيد وليد جنبلاط.

إن التفاصيل المتصلة بحصص الأطراف تحسب وتقرأ على خلفية هذه الحقيقة وبمثل تعبيرها عن التأثيرات الإقليمية في لبنان فهي تتفاعل مع التوازنات المتغيرة في زمن الغليان السوري ومخاضات انتصار زاحف سيقلب الكثير من البديهيات التي رانت وهيمنت منذ سنوات في المنطقة والعالم بعد غزوالعراق وما بعد انتصار تموز والحرب على سورية.

على من يفضلون المعلومات المسربة إليهم من السفارات الغربية والخليجية على فهم الوقائع العنيدة ان يتمعنوا في ملامح المشهد السوري وتحولاته ليفهموا حقيقة التغيير القادم في التوازن الإقليمي الذي لا يمكن عزل لبنان عن نتائجه بحكم القدر الجغرافي ومن الجنوب السوري بالذات عليهم اخذ العبر.

اسرائيل المردوعة تستجدي بشخص نتنياهو وساطة روسية لإحياء اتفاق فصل القوات في الجولان والدولة الوطنية السورية لاتعير نداءاتها أي اعتبار ويواصل جيشها زحفه دون قيد او شرط وبالمقابل ورغم الخطوط الحمراء التي رسمها نتنياهو وحليفه الأميركي ومعه الذيل السعودي وروجها مرتزقة الصحف المنفوطة والقنوات الصفراء فوفق البلاغات الرسمية السورية تشارك القوات الرديفة والحليفة في القتال أي أن فرق المستشارين الإيرانيين وقوات حزب الله معا يشاركان في جميع عمليات الجيش العربي السوري لتحرير الجنوب من زمر الإرهاب القاعدي الداعشي التي دعمتها واشنطن وتل أبيب والرياض وعمان والغطاء الجوي للمعارك هو سوري روسي مشترك والعبرة في ذلك تسقط جميع الهرطقات عن التزامات او ضمانات روسية زعموا انها قدمت لمجرم الحرب نتنياهو.

هذا هو حاصل صمود وقتال محور المقاومة في القلعة السورية وفي قلب المعادلات الكبرى وفي مركز مخاضها صانع لبناني هو حزب الله شريك سورية وقرينها في الصمود والمقاومة منذ خمسة وثلاثين عاما واكثر.

الساسة اللبنانيون المصابون بعته التبعية والعمالة يتسقطون بعقولهم المسطحة التقارير الأميركية والفرنسية بما فيها من تعليمات وتوجيهات وهم أعجز من القدرة العقلية اللازمة لفهم التحولات ولطالما ارتكبوا الأخطاء القاتلة وعجزوا عن استلحاق مصالحهم او مصائرهم فلحقت بهم انهيارات وكوارث.

مساكنة المحورين داخل الحكومات اللبنانية كانت توصية ديفيد هيل السفير الأميركي المنوي ترفيعه مؤخرا في الخارجية الأميركية والذي سبق له إبلاغ قوى 14 آذار غداة تكليف الرئيس تمام سلام بوجوب إسقاط الفيتو عن مشاركة حزب الله واستغرق الأمر تسعة أشهر لإقناع السعودية بذلك.

التسليم بالتوازنات التي أسفرت عنها الانتخابات يعني بلورة تشكيلة حكومية تعبر عن وزن واقعي لحلف المقاومة من جميع الطوائف مقابل جناح القوات والمستقبل وجنبلاط واعتبار كتلة وزراء التيار والرئيس قوة الترجيح في الوسط بين المعسكرين في الشؤون الداخلية المختلف عليها بينما هي شريكة في معادلة الصمود والمقاومة والتحالف مع سورية وإيران منذ حرب تموز التي حلت ذكراها الثانية عشرة أليس كذلك؟ … هذا هو الحد الأدنى الممكن لمساكنة مقبولة وإدارة الظهر لهذه الحقيقة يمكن ان تكلف غاليا كما سبق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى