بقلم غالب قنديل

النزوح السوري :السر المكتوم

غالب قنديل

تطمس الطبقة الحاكمة في لبنان حقيقة مكاسبها من النزوح السوري بما يتعدى قيامها بنهب المساعدات واحترافها للتسول الإغاثي فهي تخفي الأرقام والوقائع عن عدد العاملين فعليا في الاقتصاد اللبناني من السوريين الذين لا يزاحمون العمالة اللبنانية او يحلون محلها لأن النظرة الاجتماعية السائدة في لبنان تتحاشى العديد من المهن اليدوية التي لا يمانع اللبنانيون في شغلها عندما يغتربون عن بلدهم لكنهم يحاذرونها داخل وطنهم بينما الطبيعة المنتجة والكادحة للشعب السوري ترتبط بالعمل كقيمة اجتماعية وهي تعيب على الفرد ألا يعمل في أي فرصة متاحة من غير أن يسم السوريون أي مهنة بعيب أخلاقي على الطريقة اللبنانية وهذه سمة سورية قديمة.

ان وطأة المنافسة السورية بصورة رئيسية لحقت بالعمالة المصرية والفلسطينية في سوق العمل اللبناني وهذا ما ينطبق على مهن يدوية لا تتطلب تأهيلا مهنيا خاصا.

اما في المهن التي ترتبط ممارستها بالخبرة والتأهيل فقد مثلت شريحة من النازحين السوريين قوة منافسة على مروحة واسعة من الوظائف تمتد من مدراء المعامل ورؤساء الورش إلى المهندسين والعمال الفنيين المؤهلين وعمال وموظفي قطاع الخدمات كالمطاعم والمقاهي.

فتحت الرأسمالية اللبنانية أبواب تلك المنافسة على مصراعيها لمضاعفة أرباحها من خلال استغلال بشع للمهارات السورية بكلفة أقل ومن غير أي ضمانات والسلطات اللبنانية بدورها لم تلزم أرباب العمل بأي ضمانات للشغيلة السوريين الذين لا تعترف بهم النقابات اللبنانية ولا تدافع عنهم او تبحث مطالبهم مما يجعلهم فريسة سهلة لأسوا انواع الاستغلال.

إن بث النزعة العنصرية ضد النازحين يجري على يد القوى السياسية اللبنانية التي كانت في السابق جزء من سلطة سياسية تزلف أركانها للدولة السورية وسعى بعضهم دائما لفتح قنوات سرية في الظلال مع دمشق بمن في ذلك القوات اللبنانية أشرس خصوم سورية راهنا وبالطبع قادة تيار المستقبل والتقدمي الاشتراكي المدينين بوجودهم وبحجمهم السياسي وثرواتهم بعد الطائف للدور السوري الذي ينعتونه راهنا بالوصاية بفضل رهانهم على ضعف الذاكرة الذي يميز الشعب اللبناني.

رغم كل ما ينشر من معلومات فإن سرا مصرفيا ظل مكتوما ولم تشع حوله أي معلومات دقيقة وهو مطموس كليا في أي كلام لبناني عن النزوح وهو حجم الودائع السورية التي انتقلت إلى المصارف اللبنانية منذ عام 2011 .

الرقم الشائع بالتكهن يتراوح بين ثمانية مليارات إلى عشرين مليارا ( بالدولار الأميركي ) على طريقة المذهب السنيوري الذي حول الرقم اللبناني إلى وجهة نظر وهناك تعمد لعدم توضيح الرقم وترك الحقيقة مغفلة حتى لا يخدش الخطاب العنصري او يهتز بانكشاف الحقيقة التي تشير إلى أن نصيبا رئيسيا من ثبات الوضع المصرفي والنقدي اللبناني يعود إلى تلك الودائع السورية الوافدة التي عوضت تقلص تحويلات الاغتراب اللبناني بسبب الانكماش الاقتصادي العالمي.

تدفقت الودائع السورية على البنوك اللبنانية رغم القيود والعقوبات والتدقيق الأميركي الذي هدف إلى حرف التدفق السوري للودائع من بيروت إلى دبي والعواصم الغربية وما بقي في لبنان منها هو الودائع الناجية من القيود والعقوبات المشددة التي بلغت حد امتناع المصارف عن فتح حسابات للعديد من الأشقاء السوريين من أصحاب الأموال والرساميل الذين شكل سكنهم وإنفاقهم موجة مجزية في الاقتصاد اللبناني.

ثمة تقديرات ان مجموع ما هو خارج لبنان من الودائع السورية يتخطى بكثير المئة مليار دولار بينما تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها لعرقلة عودتها القريبة إلى سورية وتسعى الدولة السورية لإدماجها في مسيرة الإعمار بعد الحرب التي توشك على الانتهاء بانتصار سوري ساحق وفي المؤشرات الجنوبية عبرة لمن يجادل.

الرواية اللبنانية حول النزوح كاذبة ومخاتلة وانفصامية وهي غارقة في خيبة متجددة للرهان على استخدام النازحين كرصيد معاد للدولة الوطنية السورية بل إن جناحا من النظام اللبناني وبناء على التعليمات الأميركية والسعودية يكافح لتعطيل أي اتصال بالدولة السورية للتنسيق معها بشأن عودة النازحين بعد توسع سيطرة الدولة وإنهاء حالة الحرب في معظم المناطق السورية وهذا ما حدا بحزب الله لأخذ زمام المبادرة مباشرة لإخراج الملف من قبضة التعطيل السياسي المقصود والمشبوه.

إن عودة النازحين والودائع إلى سورية هو استحقاق محتوم تخشاه الطغمة اللبنانية الحاكمة ليس فقط لأنه يدشن نهاية الحرب على سورية بل أيضا لأنه يسد أبواب التنفع على حساب السوريين في لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى