بقلم غالب قنديل

مؤشرات من معارك الجنوب

 

غالب قنديل

يواصل الجيش العربي السوري مسيرته لتحرير الجنوب بينما يكشف مسار الأحداث مجموعة من الوقائع والمؤشرات التي تمثل قاعدة معلومات وتحليل نوعية لفهم آفاق التطورات السورية المقبلة .

اولا الجنوب بيت القصيد

تختصر منطقة الجنوب السوري اهداف ومسار الحرب العالمية ضد الجمهورية العربية السورية لأنها تقع على خط الجبهة مع الكيان الصهيوني والغاية المركزية من خطة تدمير سورية وشطب قدراتها ودورها المركزي في محور المقاومة هي قلب البيئة الاستراتيجية في المنطقة لمصلحة إسرائيل وتسيدها في ميزان القوى العام وأهمية جبهة الجنوب السوري نابعة من مركزية إسرائيل في الحسابات الغربية والأميركية ولذلك يمثل الفشل والنجاح في الجنوب مؤشرا لوجهة الحرب برمتها.

الأردن شكل البوابة والممر لمنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وتدخلاتها في العدوان على سورية فالنظام الأردني هو المسؤول عن تشغيل قسم رئيسي من العصابات العميلة باستغلال التشابكات الاجتماعية والعشائرية بين الأردن والجنوب السوري وهو مقر لإدارة وتسهيل التدخلات الأميركية البريطانية الفرنسية وتنظيم التدخلات السعودية القطرية إلى جانب تشكيله جسرا للتدخل الصهيوني المباشر في العمق السوري كما شكل تغلغل المخابرات الأردنية في مخيمات سورية مجالا مناسبا لرفد عصابات الإرهاب بمجموعات كثيرة.

لم يكن من فراغ ان غرفة العمليات التي أقيمت في الأردن لعبت دورا لا يقل اهمية عن غرفة عمليات اسطنبول بينما لم تفسح المعادلات الداخلية للولايات المتحدة مجالا لاستخدام لبنان والعراق بالدرجة ذاتها ففي لبنان تكفلت قوى الثامن من آذار بردع الجماعات السياسية المرتبطة بأميركا والسعودية وقطرمنذ السنة الثالثة للحرب على سورية بينما فرض انخراط حزب الله واقعا سد طرق الانطلاق من لبنان فاقتصر التدخل وما يزال في غرف العمليات والمنصات الإعلامية والجاسوسية واستعمل المنطلق العراقي لتحريك عصابات داعش بينما حرصت الحكومات العراقية على عدم التورط.

ثانيا سقوط التهويل الأميركي والصهيوني

سجلت الحرب الوطنية السورية رقما قياسيا في إسقاط الخطوط الحمراء الأميركية والإسرائيلية وهو ما يرمز إلى البيئة الاستراتيجية الجديدة التي صنعتها ملحمة الصمود السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد وبالشراكة مع جميع الحلفاء والشركاء والأشقاء المخلصين من لبنان والعراق وفلسطين وإيران.

قبل أسابيع لم يبق في جعب واشنطن وتل أبيب عبارة تهديد ضد سورية ورئيسها وحلفائها لم تستخدم للتهويل استباقا لعمليات الجيش العربي السوري في الجنوب فقد توالت التهديدات بتدخل اميركي واسع وبحرب إسرائيلية كبرى إذا تحرك الجيش العربي السوري لتحرير هذه المنطقة واسترجاع الحزام الصهيوني الافتراضي على خط فصل القوات لعام 1974 وفجأة عند انطلاق العمليات بالتوازي مع التفاوض الروسي بات انتشار الجيش العربي السوري والعودة إلى اتفاق الفصل إياه هو المطلب الأميركي الصهيوني دفعة واحدة!.

يستطيع أي عاقل الاستنتاج ان حساب التوازنات العامة في سورية والمنطقة هو الرادع الذي يمنع تنفيذ التهديدات كما حصل دائما منذ أيلول 2013 وكما ترامب كما اوباما فحقيقة الردع قاهرة وهكذا فشلت محاولة التراجع إلى اختبار فرص التحكم بتواجد إيران وحزب الله في الجنوب فالذي حصل ان الجيش العربي السوري يخوض معاركه في الجنوب بالشراكة المعلنة مع جميع القوات الحليفة والرديفة رسميا وهو ما يعني ان حزب الله والمستشارين الإيرانيين مشاركون في القتال والولايات المتحدة وإسرائيل مردوعان.

وفوق ما تقدم جاء الانخراط الروسي في المعارك إلى جانب الجيش العربي السوري وحلفائه ليثبت موقع روسيا الفعلي في المعادلة إلى جانب سورية وإيران وحزب الله وبالتناغم معها في خطة تحرير الجنوب خلافا للدسائس الرخيصة التي وقع في شركها بعض البلهاء.

ثالثا امثولة لباقي اطراف حلف العدوان

ما لم تغامر به الولايات المتحدة وإسرائيل في الجنوب لن تفعله في الشمال او الشرق فالكيان الصهيوني هو بيضة القبان الغربي في المنطقة والمركز الفعلي لمنظومة الهيمنة ومصالحة السياسية والأمنية والعسكرية تتقدم جميع الحسابات وسائر المصالح.

تحرير الجنوب رسالة حازمة لتركيا وللسعودية وقطر عن القرار السوري بتقطيع أذرع حلف العدوان والتحرير الكامل للتراب الوطني السوري وجبرية الخضوع الأميركي للمعادلات الجديدة وهي أيضا برهان عملي على استحالة المناورة والتذاكي بالرهان التركي المعتاد على استثمار العلاقة بإيران وروسيا في لعبة نفاق وتحايل مكشوفة وحين يصدر قرار الرئيس الأسد ستحترق هوامش مناورة أردوغان وسيكون عليه الخضوع للحقائق القاهرة كما خضعت إدارة ترامب وحكومة نتنياهو في الجنوب السوري ولا يملك أردوغان او سواه الفرصة لتخيير طهران او موسكو بينه وبين الحليف الموثوق لكليهما القائد الشجاع الرئيس بشار الأسد الذي هو عنوان الصمود والإيثار في ممارسة التحالف والمصداقية.

الرسالة موجهة للعصابات الإرهابية الباقية في سورية حيث لا مفر سوى الاختيار بين التصفية او إلقاء السلاح وتسهيل المصالحات ولا تزال الرسالة ذاتها للوحدات الكردية فالرهان الأميركي سقط مجددا في الجنوب وسيسقط في الشرق والشمال وطريق العودة لحضن سورية هو أسلم الخيارات وأقلها كلفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى