بقلم غالب قنديل

دروس اولى من التجربة السورية

غالب قنديل

يقتضي كثير من العمل الفكري والسياسي لاستخراج كامل دروس التجربة التي خاضتها سورية في مقاومة أشرس وأعنف وأضخم واخبث الغزوات الاستعمارية في التاريخ القديم والحديث وهذا ما أعتقد انه ليس بحاجة لإثبات او برهان فالوقائع نافرة وظاهرة لمن يرد أن يرى بموضوعية ومن غير أفكار مسبقة.

في سياق العمل لاستخراج أبرز الدروس من المفيد ان نشير إلى بعضها ضمن مسار معركة الوعي التي تفرض نفسها عمليا على كل دعاة التحرر القومي والوطني :

اولا التمسك بالتعامل النقدي مع وسائل الإعلام وعدم تصديق الروايات المروجة عبرها عن أي حدث وضرورة التنبه لمخاطر التزوير والفبركة في إعلام الغرب ومستعمراته العربية وهذا الإعلام تورط في كمية ضخمة من الجرائم وظهر في الغزو الاستعماري لسورية بصفته اداة حرب وعدوان إجرامية غايتها تسميم الوعي واخذ الناس إلى مسارات تنفذ خططا استعمارية صهيونية ضد بلادهم بشعارات خادعة وكاذبة وهي تستعبد العقول وترتهن الإرادات بتقينات عالية تقتضي يقظة ووعيا كبيرين وتفترض السعي لتطوير ادوات الإعلام الوطنية والمقاومة في بلادنا واحتضانها في سياق تنميتها بدلا من تهشيمها او تهميشها.

ثانيا إرادة المقاومة والتحرر الصلبة تصنع النصر وتقلب المعادلات والتوازنات وتقهر المستحيل هو الدرس الثاني الذي تحفره التجربة السورية بمعدن قائد كبير تحدى العدوان الامبريالي الصهيوني الرجعي وأسقط خرافات الدعاية المعادية والتآمر الرجعي وادرك انه يمكن بالإرادة والوعي وبالخيار الوطني الصحيح وعبر الالتحام بالشعب وحده وبنسج التحالفات الاستراتيجية الصادقة يمكن التغلب على أعتى قوى الهيمنة والغطرسة وتحويل التهديد إلى فرصة ويعود لهذا الرئيس المقاوم فضل الريادة في صمود القلعة السورية ونهوضها وانتصارها ويمكن من نهجه ارتسام طريق انتصار المقاومة وخيار التحرر والاستقلال.

ثالثا إن حالة الترهل والانتظار والتوهم التي مر بها محور المقاومة في مراحل سبقت العدوان كانت وقوعا في فخ الخديعة التي دبرتها الإمبريالية الأميركية بواسطة فرنسا وقطر وتركيا والأوهام الناشئة عنها كلفت غاليا وتكفل الصمود السوري العظيم بكشف المستور وقد كان بعض الحلفاء مدفوعين بتلك الأوهام يسعون مع القيادة السورية لتقديم تنازلات كبيرة تحت شعار التحول الديمقراطي ورغم التجاوب السوري استمر العدوان وتغول وتحول إلى عملية تدمير منهجي وتكشفت عصابة الأخوان عن حاضن كريه لجميع انماط التوحش التكفيري والسلفي الوهابي بوصفها الأداة العميلة للاستعمار وقد استغرق الحلفاء طويلا لفهم حقيقة ان ما يدور كان عدوانا استعماريا يطالهم ويستهدفهم بعد سورية ومن خلالها وليس حركة بريئة من اجل الديمقراطية وكانت الكلفة غالية على سورية وشعبها وجيشها ودولتها لكن قيادتها صبرت وتحملت حتى بات خطابها هو المتسيد وموقفها محور تضامن وثيق طور من علاقات الحلفاء بها وبالعلاقات في ما بينهم وهذا مغزى الانخراط الروسي والإيراني وتواجد حزب الله في سورية.

رابعا التوجه شرقا الذي دعا إليه القائد بشار الأسد هو الخيار الاستراتيجي والبديل الوطني التحرري لفكرة السعي إلى الاعتراف الغربي التي شغلت العديد من القيادات الوطنية التحررية في المنطقة والعالم وقد أثبتت التجربة السورية ان الغرب الاستعماري ليس إلا قوة هيمنة واحتلال ومركز منظومته في المنطقة هو الكيان الصهيوني ولا مفر من النضال ضد هذه المنظومة التي لاتفهم سوى لغة القوة وهي عدو رئيسي في سياق السعي للاستقلال والتنمية الذي لا يمكن تحققه في جميع بلدان المنطقة سوى بالاعتماد على القدرات الوطنية وببناء الشراكات على تشابك المصالح العليا اقتصاديا ودفاعيا وعلميا وتقنيا مع الدول المناهضة للهيمنة وهذا ما تقوم به سورية خلال المواجهة وفي قلبها وتؤسس له ما بعد العدوان مع كل من روسيا والصين وإيران والهند وغيرها من الدول المستقلة المناهضة للهيمنة الأميركية الغربية الصهيونية.

خامسا إن فلسطين هي قضية الشرق وقضية الأمة العربية لأن تثبيت اغتصابها وبناء قدرات عدوانية ضخمة للكيان الصهيوني هو جوهر السياسات الغربية والمشاريع الاستعمارية مهما تعددت مسمياتها وتلونت حملاتها الدعائية وآخرها ما يسمى صفقة القرن.

لقد استهدفت سورية لأنها قلعة للتحرر تدعم خيار المقاومة في فلسطين والمنطقة وترفض الهيمنة الصهيونية الغربية التي تعني تحول بلداننا إلى مستعمرات خانعة مخلوعة من جذورها مسلوبة الإرادة تتولى خدمة القاعدة الاستعمارية الغربية المركزية وهي الكيان الصهيوني وهي لذلك مستهدفة بتلك الصفقة اللئيمة التي تعني فرض هيمنة القاعدة الصهيونية إقليميا ومن سورية المنتصرة يجب ان تنبثق حركة تحرر عربية جديدة تفهم دروس الماضي وتهضمها وتتمثلها في نهج قومي تقدمي تحرري يتسع تفاعليا للتعدد وللتنوع ويطور الأفكار والمباديء بمضمون جديد ومعاصر. وللبحث صلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى