بقلم غالب قنديل

التهويل الاقتصادي : أداة سياسية

غالب قنديل

دفع اللبنانيون حتى اليوم كلفة المنهبة التي قامت في البلد منذ التسعينيات بعد مؤتمر الطائف على حلقة مالية عناصرها الرئيسية هي تضخم الدين العام وتثبيت سعر الصرف والتورم العقاري وعنصر التمويل الحقيقي الوحيد كان مدخرات اللبنانيين وتحويلات أبنائهم المهاجرين للعمل في الخارج في خط نزيف متواصل لم تسع أي حكومة لوقفه والحد من تأثيره فهو الطريق الفعلي إلى تحسين وضعية ميزان المدفوعات مقابل فاتورة الاستيراد المتضخمة في بلد يمتاز بالخضوع الكلي لديكتاتورية الاستهلاك.

أوقف النظام السياسي تمويل الفقاعة العقارية من خلال وقف مصرف لبنان لعملية دعم قروض السكن للطبقات الوسطى والدنيا من محدودي الدخل تحت شعار الأزمة الاقتصادية التي استظل بها السيد سعد الحريري لإطلاق حملته الانتخابية من مؤتمرات دولية تم تحضيرها تحت عنوان دعم لبنان وكان أبرز محطاتها مؤتمر سيدر الذي كبل الدولة اللبنانية بشروط اقتصادية وسياسية مهينة بحيث تشكل فريق وصاية اجنبي تقوده فرنسا لمراقبة الإنفاق العام.

لكن الغاية الأهم هي إدخال شركات محلية واجنبية في إدارة مرافق عامة تشمل الكهرباء والمياه والطرق والاتصالات والضمان الاجتماعي بعدما جرى إطلاق اوسع خصخصة ممكنة في مجالات الصحة والتعليم منذ السبعينات بعد مذكرة اميركية عن “نهاية عهد الأمراء في لبنان” في مستهل ولاية الرئيس الراحل الياس سركيس وقد تولت تنفيذ البرامج الأميركية لإضعاف الدولة في لبنان مؤسستان هما مجلس الإنماء والإعمار ومركز البحوث التربوي بإشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووكالة التنمية الأميركية وتمت عمليا تصفية الإرث الإصلاحي للحقبة الشهابية بقيام الأمراء الجدد في الطبقة الحاكمة وطغمتها المصرفية العقارية بالاستيلاء على الإدارة وهم هذه المرة عناوين لشراكة طائفية كرسها اتفاق الطائف بعد عقدين من الحروب.

يتجذر واقع سياسي جديد مع بلوغ الاستقطاب الطائفي والمذهبي ذروة غير مسبوقة في تاريخ النظام السياسي الطائفي عبر الانتخابات النيابية الأخيرة التي ازالت للمرة الأولى منذ ميثاق 1943 سائر شكاوى الغبن والتهميش واتاحت تمثيلا متوازنا لجميع القوى والكتل السياسية الطائفية في مجتمع تلاشت منه الاحزاب والقوى العلمانية التقدمية لصالح شعبوية طائفية تتوسل منطق المشاركة في تقاسم السلطة السياسية طريقا لتثبيت مشروعيتها السياسية لدى جميع الطوائف والمذاهب.

في هذا المناخ المشحون بتخمة المطالب اهتدى السيد سعد الحريري إلى وسيلة فضلى لتيسير اموره السياسية كرئيس مكلف بتشكيل الحكومة ولطلب التنازلات من الاخرين عبر التهويل الاقتصادي ولضمان تنفيذ لائحة التوصيات والمطالب السعودية التي يتقدمها تأخير أي اتصال حكومي مباشر بالسلطات السورية حول ملف النازحين او سواه.

ولتدعيم الحريري ومنطقه ولضمان تنفيذ ما كلف به مؤخرا جاءت المستشارة الألمانية في زيارة أغدقت فيها الوعود السخية التي تساعد الحكومة العتيدة على الاحتفاظ بالنازحين في لبنان بدلا من تدشين تنظيم عودتهم إلى بلدهم وكانت الإشارة إلى المؤازرة المالية المقابلة في مبادرة هولندية بتخصيص أربعمئة مليون يورو سينال لبنان منها نصيبا جيدا.

يكثر الرئيس سعد الحريري مع فريقه الحديث عن شبح الانهيار كلما استعصى عليه تحصيل مكسب سياسي وقد صنع له الغرب مجتمعا صورة الرجل الموثوق لإدارة الأزمة اللبنانية تحت رعاية أميركية فرنسية سعودية تفرض وصاية سياسية على البلاد اولى اولوياتها منع التقارب مع سورية وإيران وشعارها الفعلي منع لبنان من الانضمام لمحور المقاومة بفرض التخندق خلف الحلف الأميركي السعودي في المنطقة والأنكى ان ذلك يتم تحت شعار النأي منذ عودة الحريري سالما من محبسه السعودي.

عند التهويل بالانهيار الاقتصادي والمالي وتدفيع اللبنانيين كلفة عالية للانكماش الاقتصادي يستحق السؤال عن المسؤولية وعن الجهات التي خططت لخيارات اقتصادية ومالية فاشلة أورثت الأزمة واستحضرت المخاطر وليس غير الحريري ونهجه وفريقه من رجال المصارف والعقارات والمضاربين جوابا لجميع وجوه المشكلة التي إن صحت سيحصد اللبنانيون العاديون نتائجها تدهورا إضافيا على الصعيد المعيشي والاجتماعي لكن الهياج الطائفي المذهبي يعمي العيون ويعطل العقول بغبار خادع وسراب الحلول هو البخار الذي يصعد من كل طبخة سياسية لتقاسم مالي جديد فيها الغنائم والمكاسب التي هي تقليديا غاية التقاسم الطائفي للسلطة السياسية حتى حين تغلفها شعارات رنانة.

ابتسم انت في لبنان !! فالانهيار الذي يتكلمون عنه بعيد ولن يحدث قريبا على الأقل والوقت ما زال يشترى بلحس المبرد وبسندات الخزينة وباليورو بوند ما دام اللبنانيون يعلمون بناتهم وأبناءهم ليخرجوهم من الجامعات ثم يلقون بهم في اول طائرة مغادرة ويجلسون بانتظار أول حوالة مصرفية قادمة تنجو من تدقيق مكتب العقوبات في وزارة المالية الأميركية لتعقيم تمويل البيئة الاجتماعية الداعمة لحزب الله فهنا بيت القصيد الذي لأجله يفوض الحريري ويتلهف الغرب على تحريك أصابعه في لبنان وتهتم السعودية بالتسميات والتعيينات اللبنانية كأنها في ديوان أميري لأحد أفراد العائلة المالكة بينما يفرض وزير الصحة القواتي منع استيراد الأدوية الأشد فاعلية والأقل كلفة من سورية او من إيران حتى لو كانت لعلاج الفقراء من السرطان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى