بقلم غالب قنديل

المساكنة تحت الضغوط والعقوبات

غالب قنديل

تقدم الرواية التقليدية الشائعة صيغة الحكم اللبنانية على انها تسوية الاضطرار نتيجة التركيبة الطائفية التي تفترض تنازلات متبادلة بين سائر الأطراف والقوى المشاركة في الحكم ويتحدث الفريق التابع للغرب عن “تضحيات” يتحملها بمجرد “قبول” ضم المقاومة وأصدقائها إلى الحكومة و”المغامرة” بإغضاب الولايات المتحدة ودول الناتو التي تلبس قناع مجموعة الدعم الاقتصادي والمالي.

يجري ذلك مع تعمد رفع وتيرة الكلام عن انهيار وشيك دافعها الفعلي تسويق الخضوع لوصاية نادي الدائنين وكل من صندوق النقد والبنك الدولي باتخاذ تدابير تمس ما تبقى من خدمات ومرافق عامة تشرف عليها الدولة ومؤسساتها وقبول شروط سياسية اخرى تتعلق بسورية وإيران وروسيا والصين بحيث تصبح القطيعة الفعلية مع التكتل الشرقي خيارا لبنانيا رسميا يبقيه بعيدا عن الانضمام الرسمي إلى محور المقاومة في المنطقة.

الوصاية الأميركية السعودية متعددة الوجوه في لبنان وليس في التعبير مبالغة كما قد يتهيأ للكثيرين فالوصاية تتوسل ادوات تأثير عدوانية منها حصر تسليح الجيش وتدريبه بالولايات المتحدة ودول الناتو وإتاحة المجال امام دول الغرب لاختراق المؤسسات الأمنية والعسكرية من خلال هذا التوجه الحصري والمثال الخطر على وجوع الوصاية هو ملف العقوبات المصرفية ضد حزب الله ومحيطه الاجتماعي والشركات المتعاملة مع مؤسسات الحزب الاجتماعية والإعلامية او الشركات التي تضم مناصرين يجاهرون بتأييدهم للمقاومة.

إن تكيف النظام المصرفي اللبناني مع العقوبات التي تتخذها حكومة الولايات المتحدة الأميركية بات يعتبر امرا بديهيا ومسلما به في لبنان وأخطر ما في ذلك رضوخ الدولة اللبنانية لقاعدة حقوقية اميركية غربية سعودية هي اعتبار المقاومة إرهابا وذلك هو المنطلق المبدئي للعقوبات الجاري تنفيذها فالتكيف مع العقوبات وفتح سجلات القطاع المصرفي للرقابة الأميركية يعني التسليم بما بنيت عليه العقوبات من اتهام للمقاومة بالإرهاب ومهما قيل عن شرعية المقاومة في العبارات الالتفافية التي يتضمنها البيان الوزاري لأي حكومة لبنانية.

هذه الأداة التي تتمسك بها الولايات المتحدة وتفرض مفاعيلها وقيودها المصرفية والاقتصادية غايتها إضافة إلى استنزاف المقاومة وبيئتها ومعها الاقتصاد اللبناني برمته ان تولد حاجة سياسية افتراضية عند حزب الله لمسايرة اتباع الغرب والسعودية في السلطة بهدف ضمان احتواء مشترك لنتائج العقوبات من خلال التفاهم مع شركاء الحكم وبصورة رئيسية التفاهم مع الرئيس الحريري وفريقه بصفته ناظر الهيمنة الغربية المفوض في لبنان وهو يمارس دوره فعليا بالشراكة مع كل من سمير جعجع ووليد جنبلاط.

من الضغوط الخطيرة كذلك سلة الشروط الناتجة عن مؤتمر سيدر وهي قيود اقتصادية ومالية على السلطة اللبنانية من نوع منع التوظيف في الدولة ومؤسساتها والتعهد بإدخال شركات لبنانية واجنبية إلى الخدمات العامة والمرافق العامة وثمة لائحة جاهزة وسيكتشف اللبنانيون ان الشركات الأجنبية والمحلية المشاركة في وليمة التهامها حاضرة مسبقا بملفاتها وشركائها ووكلائها من السياسيين من شبكة الهاتف الثابت وما هو متاح مجددا في الخلوي وخدمات الكهرباء والمياه والطرق الدولية والمطار(ات ) والمرافيء والنقل والإعلام العام المعروض للبيع وغير ذلك الكثير وستنطوي عمليات الخصخصة الباقية على عقد تسلل صهيونية حكما وليتذكر المعنيون ما استغرقه تطهير قطاع الاتصالات من عملاء الموساد.

عندما تتحول العقوبات الأجنبية اداة استتباع وضغط داخلي في شراكة الحكم فهي وسيلة يتقن الأميركيون استعمالها لترويض الفريق الاستقلالي وكبح دوره عند حدود التكيف الممكن مع الهيمنة وبالهوامش التي يقبلها الأميركيون انفسهم ويحددون إطارها الفعلي ولذلك نستخدم توصيف الوصاية في التعامل مع هذه الوضعية.

تتخلى المقاومة وحلفاؤها عن اوراق قوة سياسية في المجابهة حول هذا الموضوع وطريقها البسيط هو التمسك بتوازن سياسة لبنان الخارجية بين المحورين فبدلا من الالتصاق الأعمى والتبعية الصارخة للغرب والخليج يجب فرض التوازن في علاقة لبنان بالمحورين المتصارعين عالميا وإقليميا وهذا يعني تطوير شراكات اقتصادية ومالية وسياسية ودفاعية مع روسيا والصين والهند وسورية وإيران والعراق ومن نافل القول ان ذلك ينطوي على فوائد وفرص ومصالح عظيمة للبنان ينبغي تظهيرها وتحويلها إلى مفردات شائعة في وقائع السياسة اليومية خصوصا في مرحلة تشكيل الحكومة.

روسيا باتت جارة على سواحل البحر المتوسط وهي قوة دولية عملاقة لا بد من التعاون الدفاعي معها والصين هي القوة المالية والاقتصادية الجبارة التي تملك الكثير من الإمكانات والقدرات والخبرات التي تساعد لبنان وهي دولة تطبق مبدأ احترام استقلال الدول والعلاقات الندية المتكافئة مع الدول الصغيرة والكبيرة ولديها مبادرة نحو دول الشرق العربي تشمل لبنان نظريا وتوفر كثيرا من الحوافز والمزايا اما إيران فهي سبق ان عرضت كثيرا من المساهمات الدفاعية والاقتصادية والهبات النفطية وجرى صدها بدافع التبعية الحمقاء للحلف الأميركي السعودي وبكيد استعدائي من الفريق اللبناني التابع والهند التي ندير ظهرنا لها في لبنان هي قوة عملاقة صاعدة صناعيا وتقنيا اكتشفها الصهاينة وسبقونا إليها ونحن غافلون اما عن سورية فحدث ولا حرج فهي التوام الذي تشبكنا به مصالح كثيرة وفيها الفرص الضخمة القادمة مع إعادة البناء بعد الحرب وعبقرية السمسار اللبناني تبحث عن الفرص السورية في واشنطن او موسكو بدلا من طرق أبواب الشام بكل تهذيب وبعيدا عن لغة الحاقدين والسفهاء من ساستنا الفاشلين!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى