بقلم غالب قنديل

خلفيات تهرب الحريري

غالب قنديل

في سياق السجال ضد الجنرال قاسم سليماني والضجة حول ما سمي بطاقات الدخول عبر المطار تجدد ظهور الاشتهاء الحريري لتقديم الطاعة للمملكة السعودية بافتعال خصومة ضد إيران في سياق فروض الولاء المعتادة التي تكررت بصورة متواترة منذ ازمة اعتقال رئيس الحكومة بينما تحفز وزير الداخلية رغبته في تغطية ما وصف بأنه “زلته” التي يحاسب عليها عندما ذكر المملكة بأن تياره السياسي لا يعامل بأخذ البيعة ردا على تسمية الشيخ بهاء بديلا لشقيقه المعتقل قبل ان تنجح وساطة الرئيسين دونالد ترامب ومانويل ماكرون في تجنيب المملكة السعودية مأزقا خطيرا لو تصاعد الغضب اللبناني الرسمي الذي عبر عنه الرئيسان ميشال عون ونبيه بري بقوة وبالاستناد إلى تضامن حزب الله في مناخ شعبي عارم من الاستنكار للوقاحة التي ظهرت بالتطاول على موقع دستوري هو رئاسة مجلس الوزراء أيا كان شخص شاغله.

حقيقة مرة ومؤلمة يتحاشى الرئيس الحريري التعرض لها وكذلك وزير الداخلية والمطلوب من المستقبل ومن الحكومة اللبنانية عبر ماكرون هو الحرص على مراعاة لائحة الطلبات السعودية وتحاشي الممنوعات والمحظورات التي هي في الوقت عينه اميركية وفرنسية وليست فحسب سعودية وفقا لما تضمنته سلة النأي التي وضع لبنان تحت وصايتها بارتهان حرية رئيس حكومته.

في مقدمة الشروط الراهنة عدم استعجال التعامل المباشر مع الدولة السورية في قضية النزوح او غيرها فقرار العلاقة اللبنانية بدمشق يراد له ان يكون ورقة أميركية سعودية بالكامل فلا يتكرس التعامل الثنائي مالم تنتهي القطيعة السعودية مع سورية وهي قطيعة مرهونة بالقرار الأميركي عبر تحويل العلاقة مع الدولة السورية إلى ورقة ضغط ومساومة سياسية تستثمرها الولايات المتحدة ضد سورية مباشرة وفي خدمة مساومات متخيلة اقتصاديا وسياسيا حول مستقبل سورية ونظامها وخياراتها الإقليمية وتحالفاتها.

لسوء حظ الحريري بدا أن تدهور الأزمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة في لبنان استعجل معالجة ملف النزوح السوري ودفع العلاقة اللبنانية السورية إلى مقدمة الأولويات العاجلة وحفز كلا من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري خلال الانتخابات النيابية وبعدها إلى الدعوة العلنية لإدراج العلاقة التنسيقية مع سورية في رأس قائمة مهام حكومة ما بعد الانتخابات وهو ما أظهرته كذلك تصريحات وزير الخارجية جبران باسيل حول الموضوع بعد المرارة المضاعفة من عقم الوعود الدولية الكاذبة بمساعدة لبنان على حمل اعباء ضخمة تفوق طاقته المستنزفة أصلا وفي حدود حاجاته الخاصة فكيف مع حمل كبير يتخطى أضعاف ما تتحمله دول العالم الأخرى من نتائج تهجير الأشقاء السوريين من أرضهم في حرب غادرة كانت حكومة المملكة سخية بتمويلها وقد زاد الطين بلة ما كشفه بيان بروكسيل الشهير وما فضحه باسيل عن دور معرقل ومتواطيء لمفوضية اللاجئين.

يعلم رئيس الحكومة المكلف عن قرب تصميم الرئيسين عون وبري ويدرك وجود قوة نيابية راجحة وصفها اللواء قاسم سليماني بكل دقة ستكون داعمة للعلاقة مع سورية في جميع المجالات رغم اختلافات الكتل المكونة لها وافتراقها في العديد من القضايا الأخرى الداخلية والخارجية كما هو معلوم.

يختار قادة تيار المستقبل محاربة طواحين الهواء تهربا من الاستحقاق الفعلي ويلعبون على حبال الزمن بتأخير ولادة الحكومة لتاجيل ساعة الاختبارات المرة في التشكيلة وبيانها الوزاري الذي قد لا تقبله المملكة وقد لا تقبل شروحات الضرورة الحريرية كما فعلت سابقا.

المخرج البهلواني المتخيل عند الحريري والمشنوق هو معركة مفتعلة ضد إيران لتقديم اعتماد جديد لدى السعودية علها تمرر ما هما مضطران لقبوله وللمعركة محوران افتراضيان : اختام المطار وتصريح اللواء سليماني وفي الأمرين فشل كبير باختيار الأهداف فالحملة على الجنرال سليماني قالت الكثير وتضمنت ردحا سياسيا يليق بأصحابه لكنها لم تقدم أي حجة سياسية لنفي ما خلص إليه والدليل البسيط ان في الغالبية النيابية الموصوفة التي تحدث عنها اللواء سليماني ركنان متخاصمان ومتنافسان على الرئاسة المقبلة من الآن هما الوزيران جبران باسيل وسليمان فرنجية وهما متلاقيان على احتضان المقاومة وعلى إلحاح التعاون مع سورية في جميع المجالات فأين العجب وهما كذلك مع سائر مكونات تلك الغالبية متفقون على احتضان المقاومة في معادلة الدفاع الثلاثية المعروفة كما هو هذا الأمر معروف عن كثب فهل توصيف الواقع يعتبر تدخلا وهل يمكن إنكار هذه الخلاصة الظاهرة للعيان ومغزاها البارز لمن يفهم؟

أما مسألة اعتماد بطاقات الدخول للقادمين من الأشقاء الإيرانيين فهي مسألة إدارية خاضعة لسلطات الأمن العام اللبناني ومديره العام الذي تصرف كرجل دولة دائما في مواجهة الحملات السياسية وفسر طبيعة التدبير المتخذ وعلاقته بتنظيم حركة الدخول والخروج من المنافذ البرية والجوية وهو تدبير معتمد من سنوات وليس شأنا طارئا او مستجدا بينما يريد وزير الداخلية تحسين صورته عند ولي العهد بتسريبات عالية الوتيرة ومفتعلة حول هذا الموضوع على طريقة دون كيشوت في مبارزة طواحين الهواء.

يتهرب الحريري وفريقه من الاستحقاق الفعلي لتشكيل الحكومة ويخشى اليوم التالي لصدور المراسيم وهو واجف امام استحقاق التفاهم على البيان الوزاري فيهرول مع تياره إلى معارك وهمية وافتراضية لتغطية التسويف بناء على الإيعاز الخارجي بالتعطيل والتأجيل وبالتهرب حيث لا مفر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى