بقلم غالب قنديل

هكذا ولد تفاهم نيسان

غالب قنديل

هناك وقائع كثيرة ومعلومات مهمة رافقت أحداثا فاصلة يجب ان تبقى حية وحاضرة في ذاكرة جميع الأجيال لاسيما الشباب اللبناني والعربي الذي لم يعاصر الفصول السابقة من الصراع العربي الصهيوني واليوم مع ذكرى مجزرة قانا الصهيونية التي كانت من فصول حرب غايتها القضاء على المقاومة خططت لها إدارة بيل كلينتون وحكومة العدو برئاسة شمعون بيريز صاحب اطروحة الشرق الأوسط الجديد التي تحولت بعد ذلك إلى دليل عمل منهجي للإدارات الأميركية المتعاقبة في المنطقة لاسيما بعد احتلال العراق وحرب تموز والعدوان على سورية مؤخرا.

فكرة العدوان في نيسان 1996 انطلقت مع مؤتمر عقد في شرم الشيخ بقيادة اميركية وجمع الحكومات التابعة للولايات المتحدة والغرب والغاية كانت تفعيل اتفاق أوسلو ومبادرة بيل كلينتون للتسوية الهادفة لتسريع قيام الشرق الأوسط الجديد الذي نظر له شمعون بيريز وهو إطار لمشروع إسرائيل العظمى المهيمنة على المنطقة بعد الاعتراف بسقوط مشروع إسرائيل الكبرى وصعوبة الاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة وفقا للتجربة اللبنانية بالذات.

بعد انطلاق العدوان وصمود الجيش اللبناني والمقاومة ونتيجة لدروس حرب تموز 1993 تحركت القيادة السورية وأبلغت جميع المسؤولين اللبنانيين بضرورة الامتناع عن أي تحرك يفرط بالمقاومة وبقدرتها الرادعة وطلبت انضباطهم سياسيا بعدم التناغم مع المواقف الأميركية والفرنسية المعادية للمقاومة وعدم فتح قنوات التفاوض دون التنسيق مع دمشق التي شرعت تتلقى اتصالات اميركية منذ اللحظة الأولى لانطلاق العدوان كالعادة.

هذه المرة وفي ضوء تجربة تموز 1993 اطمئن الرئيس حافظ الأسد مسبقا إلى امتلاك المقاومة مخزونا كافيا من الصواريخ ولما أرسل يسأل قائد المقاومة عن الشروط التي يراها مناسبة للطرح في أي تفاوض مع الجانب الأميركي عندما يتصاعد الصراخ الصهيوني من وطأة صواريخ حزب الله كان جواب السيد حسن نصرالله الذي حمله موفده إلى العاصمة السورية هو تفويض مطلق للرئيس حافظ الأسد باتخاذ القرار الذي يراه مناسبا مع تأكيد عزيمة المقاومة وتصميمها في ردع العدو.

في سياق أيام العدوان تحرك وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر عارضا مشاريع لوقف النار رفضتها سورية لأنها تضمنت طلب تعهدات بتجريد المقاومة من حق الدفاع عن شعبها بل وتجريدها من السلاح في منطقة عازلة عن الشريط الحدودي المحتل وذات مرة رفض كريستوفر تقديم رد صهيوني على إطار لآلية وقف النار تبلغه من القيادة السورية بذريعة ان القادة الصهاينة لا يعملون يوم السبت.

انطلقت صواريخ المقاومة وأدبت العدو فدكت المستعمرات في شمال فلسطين المحتلة وتعالى الصراخ الصهيوني طالبا تدخل كريستوفر ووساطته بعدما لاحت تداعيات كثيرة داخل الكيان الصهيوني تابعها المقاومون ونقلوها إلى القيادة السورية فأوعز الرئيس حافظ الأسد لمعاونيه بتأجيل استقبال كريستوفر وعدم تعيين موعد له لعدة أيام تصاعد خلالها القصف الصاروخي للمستعمرات.

في توقيت مدروس لتفاعلات الردع الصاروخي قرر الرئيس حافظ الأسد ان يكون اللقاء يوم جمعة وهكذا حضر كريستوفر إلى قصرالرئاسة السورية في الحادية عشرة والنصف وانتظر طويلا في صالون الضيوف وصول الرئيس حافظ الأسد الذي بادره بالاعتذار لتأخره لأن يوم الجمعة مكرس للواجبات الدينية عند المسلمين ومن هذه الصفعة انطلق التفاوض حول تفاهم نيسان الذي انتزع الرئيس حافظ الأسد فيه ثلاثة بنود فأملى بنفسه فقرة حول حق المقاومة بالرد على أي عدوان يطال المدنيين من اهالي القرى والبلدات الجنوبية وفرض تشكيل لجنة متابعة للتفاهم تضم ممثلين عن فرنسا وسورية وكل من دولة العدو والجيش اللبناني وقوات الطواريء الدولية وانتزع من كريستوفر صيغة محددة لإعلان التفاهم بأن يذاع في بيان يصدر رسميا من وزارة الخارجية في واشنطن مما أعطاه حصانة اتفاقية دولية كرست شرعية المقاومة اللبنانية وكانت تلك ضربة جماعية لحكومات مجموعة شرم الشيخ وللكيان الصهيوني وللولايات المتحدة.

ولمن لا يعرفون فخلال مفاوضات التفاهم كان الرئيس الراحل رفيق الحريري متواجدا في دمشق داخل مكتب عبد الحليم خدام وتلقى النص الرسمي من المكتب الصحافي للرئاسة السورية على الفاكس إلى هناك بعدما طلب خدام ذلك من الناطق الرئاسي الراحل الأستاذ جبران كورية..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى