بقلم غالب قنديل

“سيدر” : التوقيت والأهداف

غالب قنديل

لا لزوم للتنقيب عن مخالفات الحملات الانتخابية لأهل السلطة ما داموا يوظفون مؤتمرات دولية ضخمة في تلك الحملات وهي محطات تتجاوز حجم النتائج والتفاصيل المحلية لبرامج الدعاية أو استعمال المال لرشوة الناخبين أو صرف النفوذ باستغلال المواقع الحكومية والإدارية في التأثير على خيارات اللبنانيين وكل ذلك حاصل وظاهر لمن يتابع بنزاهة.

جميع المؤشرات تؤكد أنه تم تحديد موعد انعقاد مؤتمر “سيدر” في زمن الحملات الانتخابية بشكل مقصود ليتم استثمار صورته الإعلامية السياسية لصالح رئيس الحكومة سعد الحريري وحلفائه وشركائه السابقين والمستجدين ولمساعدته في الظهور بموقع المنقذ من إفلاس الدولة تحت رعاية دولية إقليمية تنسقها فرنسا وفقا لما ظهر به الحريري منذ إخراجه من محبسه السعودي بعد تدخل الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون مدعوما من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير خارجيته السابق ريكس تليرسون وهو ما تحول إلى صيغة وصاية سياسية على سيادة الدولة اللبنانية وقرارها الوطني عبر النأي الأحادي المفروض بالابتعاد عن سورية وإيران وروسيا.

أصلا يشكل عقد المؤتمرات الدولية الثلاثة حول لبنان من حيث المواضيع والتوقيت خرقا خطيرا لقانون الانتخاب وللدستور واعتداءا شاملا على حق اللبنانيين في اختيار ممثليهم بحرية فقد استقوت جهات حاكمة محلية تخوض المنافسة الانتخابية بحشد دولي إقليمي لتخل بظروف الانتخاب وبتوازنات المعارك الانتخابية ولتؤثر على النتائج ولتحجب حقيقة مسؤوليتها عن الكارثة التي تهدد شعبها بدنوها وهي استنفرت داعميها الدوليين لتمنع تحصين حرية اختيار الناخبين دون تأثيرات قسرية على مواقفهم من المشاريع والرؤى المتباينة.

في اختيار توقيت مؤتمر “سيدر” خصوصا جرى الاعتداء على حقوق وحريات معسكر رافضي نهج الديون والاقتصاد الريعي وانتهك حق مرشحيه في خوض المنافسة المتكافئة ضد مرشحي نهج التسول والريعية والشركات العقارية والمضاربات المالية والمستزلمين عند حكومات الغرب والخليج وقد نسف هذا التوقيت جميع مزاعم المنافسة النزيهة والمتكافئة.

تستفيد قوى التقاسم والتسول من حال فريق الاعتراض المشتت والمبعثر لألف علة وعلة أولها طائفية النظام السياسي وعيوب قانون الانتخاب رغم اعتماده النسبية وقصور وتخلف العديد من القوى المعارضة واستغراقها في ذاتياتها وعدم نضجها الكافي لشق مسار تغييري حقيقي.

إن الاستثمار السياسي والإعلامي لمؤتمر الاقتراض في باريس سيصب في حملة الحريري الانتخابية ومعه شركاؤه في نادي الاستقراض والهدر باسم لبنان وجميع هؤلاء يمننون اللبنانيين بأنهم أنقذوهم من كارثة هم في حقيقة الأمر صانعوها لأنهم شركاء الحريرية في الحكم دون أي ظلال لذريعة الوصاية السورية المزعومة منذ عام 2005 على الأقل وليس في جعبتهم غير الخراب والفساد من إنجازاتهم في الأعوام الثلاثة عشر المنصرمة فوجدوا ضالتهم بحفلة استدانة وارتهان.

اخطر ما في “سيدر” حشد المشاريع المرتجلة التي لم تدرسها أي من السلطتين التشريعية او التنفيذية قبل المؤتمر وقد شرح عدد من الصحافيين كثيرا من التفاصيل ومنها على سبيل المثال طلب سبعمئة مليون دولار للاتصالات دون ذكر وجهة إنفاقها كما كشفت صحيفة الأخبارهذا اليوم.

تلك الأوراق والملفات ستشكل مرتكزا لتعهدات مالية وقانونية تلتزم بها الحكومة اللبنانية وترهن القرار السيادي لسنوات طويلة في نادي باريس بينما يظهر مما تردد عن مشاريع الأوراق والقرارات المتداولة إعلاميا تصميم غربي على إدخال شركات أجنبية إلى المرافق العامة اللبنانية وممارسة وصاية اجنبية على الدولة اللبنانية تحت شعار الرقابة على تنفيذ توصيات المؤتمر وثمة معلومات نشرت عن قرار فرنسي بتولي هذه المسؤولية عبر انتداب مراقبين مفوضين ستفرض العودة إليهم قبل أي قرار حكومي لبناني وستتحول توصيات مؤتمر التسول اللبناني إلى دفتر شروط يسهر الانتداب الفرنسي على تنفيذه بإحكام ولصالح الجهات التي ستوفر الديون المطلوبة من جانب الحكومة اللبنانية بما يذكرنا بنادي باريس ووصايته على مصر مع الإشارة إلى ان إسرائيل انضمت لهذا النادي قبل أربع سنوات وحاولت شراء الديون المصرية ولا نعلم شيئا عن علاقة النادي بمصادر القروض التي سيؤمنها ماكرون الآتي إلى قصر الإليزيه من شركة غولدمان ساكس وما أدراك!!.

الاستدانة من الجهات الدولية والإقليمية ليست المشكلة الوحيدة بل الالتزامات السياسية والقانونية والإدارية المسبقة المواكبة لها وقبل كل شيء التصميم اللبناني على مواصلة لحس المبرد والسعي استباقيا لرهن عائدات متوقعة لمكتشفات النفط والغاز وتبديدها وهدرها في سداد الديون المتراكمة بدلا من فرصة الاستثمار المنتج لعائداتها المتوقعة.

مصاصو الدماء والمرابون والسماسرة في الغرب والخليج وداخل لبنان هم المستفيد الرئيسي من مؤتمر باريس والشعب اللبناني سيدفع الكلفة من مستوى عيشه ومدخراته الباقية ومستقبل شبابه وفرصهم في الحياة بكرامة داخل وطنهم واولا وأساسا سيكون كل ذلك على حساب الاستقلال الوطني والسيادة الوطنية وليتذكر من يجب ان يعلم ان “مانحي الديون في سيدر ” يجتمعون على اعتبار الاستسلام لإسرائيل والتخلص من المقاومة شرطا لأي استقرار أواستثمار في لبنان وهم يجاهرون بذلك ويروجون له ليل نهار وسيتخذون من موقعهم المستجد والمحصن في التأثير على مواقع القرار فرصة مضاعفة للضغط ولانتزاع التنازلات وإملاء الشروط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى