بقلم غالب قنديل

روسيا تفضح التلفيق الأميركي

غالب قنديل

ليس ما جرى في مجلس الأمن الدولي حول سورية حدثا عابرا وربما هي من المرات النادرة التي يقود فيها موقف روسي قوي وحازم إلى انفضاض جلسة جرت الدعوة إليها من غير تفاهم مسبق على جدول الأعمال فقد درجت الولايات المتحدة ودول الغرب عموما على تسيير دفة المنظمة الدولية بجميع مؤسساتها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وكرست هيمنتها الأحادية في العالم انطلاقا من تحكمها بالأمم المتحدة وبقراراتها حول ملفات عديدة إلى ان ظهر الفيتو الروسي الصيني المزدوج قبل سنوات مع بداية فصول العدوان على سورية.

روسيا القوة الصاعدة دوليا انطلاقا من سورية وبالشراكة مع المارد الصيني تفرض قواعد جديدة للمساكنة داخل الأمم المتحدة وبالتدريج وما جرى في جلسة مجلس الأمن التي أعطيت عنوان الملف الإنساني في سورية هو بداية تظهير نتائج تعاظم القوة الروسية في العالم.

لدى روسيا حشد من المعلومات الموثقة عن التلفيق والخداع الأميركيين بصدد الملف الإنساني في سورية وخصوصا حول الفبركة والتصنيع لخدمة غاية العدوان على سورية ولتفعيل الضغوط الدولية والحصار ضد الدولة الوطنية السورية التي تتصدى لعدوان خطير بواسطة جماعات الإرهاب والتكفير كما تواجه خططا لتشويه سمعتها والافتراء عليها بترويج اتهامات مبتذلة بواسطة جماعات مرتبطة بزمرة الأخوان المسلمين وبجبهة النصرة وداعش كالخوذ البيضاء التي حولتها الدعاية الغربية إلى ذراع إنسانية بينما هي في الواقع مجموعة إغاثية تخدم فصائل الإرهاب في الميدان.

نشرت وكالة سبوتنيك الروسية تحقيقا عن الخوذ البيضاء يشير إلى منبت مشبوه لهذه المنظمة التي أسسها الخبير الأمني جيمس لي ميزوريه، وهو موظف سابق في مخابرات الجيش البريطاني ويورد التحقيق معلومات عن مصادر الأموال التي تأسست بها هذه المنظمة وهي من الحكومات الغربية المشاركة بالعدوان على سورية في حين كشف صحافيون مستقلون مرارا عن تورط الخوذ البيضاء في أفعال الإرهابيين وجرائمهم ولاحظوا أن مراكز هذه المنظمة كانت على الدوام لصيقة بمواقع عصابات الإرهاب وعلى سبيل المثال يُظهر مقطع الفيديو الذي التقط أثناء قيام النصرة بشن الهجمة الشعواء في شهر مارس/آذار 2015، “الخوذ البيضاء” يعتدون على المدنيين بالضرب بالتنسيق مع عناصر النصرة. ويُظهر مقطع الفيديو الآخر “الخوذ البيضاء” يحتفلون مع عناصر جبهة النصرة بـ”الانتصار” في الساحة الرئيسية لمدينة إدلب.

وهناك مقاطع فيديو تسلط الضوء على مشاركة “الخوذ البيضاء” في تنفيذ حكم الإعدام على ضحايا الجهاديين والتي ينشرها أعضاء منظمة “الخوذ البيضاء” بأنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي.وثمة صور ومقاطع فيديو كثيرة تُظهر عناصر منظمة “الخوذ البيضاء” يحملون السلاح أو يقفون وسط المجموعات المسلحة.

ويُظهر أحد مقاطع الفيديو الذي التُقِط في محافظة درعا في يونيو/حزيران 2017، سير أحد عناصر منظمة “الخوذ البيضاء” على الجثث الممزقة لجنود الجيش السوري الموضوعة في صندوق سيارة الشحن.

ويُظهر نفس الفيديو المسلحين الموجودين قرب السيارة يلوّحون برأس مقطوع. ولا يربك هذا المشهد عنصر منظمة “الخوذ البيضاء” الذي ينتشل العلم السوري من تحت الجثث ويرميه على الأرض.وأعلن “الخوذ البيضاء” تنصّلهم من تلك الحادثة زاعمين أنهم طردوا المتطوع “الوقح”.ولم تعبر المصادر الرسمية والإعلامية الغربية عن استنكارها لتلك الوقيعة غير الجائزة لمن ينسبون أنفسهم إلى فرق الدفاع المدني.

القرار السوري الحاسم بتحرير البؤر التي يحتلها الإرهابيون في جميع المناطق بات قيد التنفيذ الميداني والانهيار المتصاعد في صفوف الإرهابيين وداخل معاقلهم الأخيرة في محيط دمشق لن توقفه التهديدات بالعدوان على سورية وفي ظل معادلات الردع القوية التي لجمت العربدة الصهيونية والإنذار الروسي بالرد الموجع على أي مغامرة أميركية تحاول الولايات المتحدة لجم اندفاع الجيش العربي السوري بفبركة ملف إنساني ونقله إلى مجلس الأمن الدولي وقد حذرت روسيا مسبقا من وجود تحضيرات خفية لمسرحية كيماوي جديدة ونقلت وسائل الإعلام الروسية معلومات عديدة عن ملامح التحضير لشيء ما من هذا القبيل على يد العصابات المحشورة في الزوايا الضيقة لبلدات الغوطة الباقية تحت احتلالها.

ومما لفت انتباه المراقبين أن أحدا لم يحرك ساكنا حول جرائم التحالف الدولي في سورية ومنها بصورة خاصة مجازر موصوفة وعمليات إبادة جماعية حصلت في محافظة الرقة ومؤخرا أحد في الغرب ينطق بكلمة واحدة عما ترتكبه القوات التركية الغازية في عفرين من قتل وتشريد وترويع ونهب بواسطة عصابات عميلة تحركها المخابرات التركية وهو ما يوضح الاستعمال السياسي المقصود للذرائع الإنسانية بصورة انتقائية وبنفاق مفضوح يخدم حلف العدوان على سورية.

تحرير مساحات رئيسية من الغوطة اطلق العنان لخروج المواطنين السوريين إلى مناطق سيطرة الدولة بعشرات الآلاف ويتعامى الغرب كله عامدا عن الدور الإنساني للجيش العربي السوري في انقاذ العائلات السورية من أسر الإرهابيين وإيوائها وتوفير الحماية لها في مراكز مؤقتة ريثما تنجز عملية تحرير البلدات وإعادة دورة الحياة الطبيعية إليها وهو ما يتجاهله الإعلام المتورط في الترويج للصورة المزيفة عن كل ما يجري على الأرض منذ سبع سنوات رغم تهاوي اكاذيب كثيرة عن الثورة المزعومة التي تكشفت عن جماعات القاعدة وداعش في نهاية المطاف وعن مجموعات تسيرها المخابرات الغربية والصهيونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى