بقلم غالب قنديل

حزب الله والدولة والعهد

غالب قنديل

اعتبر كثيرون أنهم عاينوا تأكيدا في معرض النفي عند صدور توضيح مكتب الوزير جبران باسيل حول حواره مع شهرية المغازين ورئيس تحريرها الزميل بول خليفة عضو المجلس الوطني للإعلام والصديق المعروف للتيار الوطني الحر وهو من المؤمنين بالمصلحة الوطنية العليا في توثيق التفاهم والتحالف بين التيار وحزب الله.

بأي حال وكما عقب الزميل حسن عليق في صحيفة الأخبار يمكن الاكتفاء ببيان التوضيح الذي أصدره مكتب وزير الخارجية والانطلاق منه لمحاولة فهم حقيقة ما يدور على خط العلاقة بين رئيس التيار والحليف الاستراتيجي الذي خاض معركة انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية وتحمل كلفة عالية من علاقاته وتحالفاته لتحقيق هذه الغاية تقديرا منه لمؤسس التيار ولمصداقيته الوطنية العالية وتعبيرا عن التزامه بتفاهم مار مخايل وتثمينا لما احدثه في الحياة الوطنية وما رسخه من شراكة في مقاومة العدوان الصهيوني خلال حرب تموز.

جاء في البيان على لسان الوزير الصديق الذي نكن له تقديرا واحتراما كبيرين : إنه يأسف لوجود بعض الاختلافات (بين التيار وحزب الله) في المواضيع الداخلية، وثمة قرارات يتخذها الحزب في الموضوع الداخلي لا تخدم الدولة، وهذا ما يجعل لبنان يدفع الثمن، وإن بنداً أساسياً هو بناء الدولة في وثيقة التفاهم لا يطبَّق بحجة قضايا السياسة الخارجية». وختم باسيل بيانه بتأكيد أنه «مهما حاول اليائسون تخريب العلاقة الاستراتيجية مع حزب الله، (فإنهم) لن ينجحوا».

من البديهي ان يكون موضع ترحيب عميق لدى قيادة حزب الله وجميع مناصري المقاومة والحريصين على التحالف مع التيار الوطني الحر ما ورد في ختام البيان عن العلاقة الاستراتيجية التي أرساها الرئيس ميشال عون وقائد المقاومة السيد حسن نصرالله قبل دزينة سنوات حافلة بالتحديات.

لكن العبارات التي سبقت تستدعي التوقف قليلا واول الأسئلة عن تلك القرارات التي اتخذها حزب الله في الموضوع الداخلي ولاتخدم الدولة وأين تسبب الحزب بتدفيع الدولة أثمانا ؟ ومتى طلب تعليق المساعي الإصلاحية بذريعة الاوضاع الخارجية ؟ فحزب الله هو الذي حمى هذه الدولة وشعبها واقتصادها بأرواح شبابه الذين قاتلوا العدو الصهيوني وتصدوا للخطر التكفيري بشجاعة وبسالة نادرتين وبالكاد يعترف شركاؤه في الوطن بذلك الفضل بل إن بعضهم المقرب حاليا من قيادة التيار يستهدف الحزب ودوره في الحياة الوطنية ويشترك في محاصرته وشيطنته بطلب من الخارج المعلوم غربا وخليجا.

لم تطلب قيادة حزب الله من أي شريك او حليف وخصوصا من قيادة التيار موقفا او تصرفا تمليه علاقة التحالف البديهية في مثل هذه الحالة وحزب الله كما يعلم معالي الوزير هو قوة الدفع الرئيسية في أهم إنجاز إصلاحي منذ انتخاب الرئيس ميشال عون حتى الان ويتمثل في قانون الانتخاب النسبي وقد كان الحزب خلال المناقشات التمهيدية داعما للكثير من الإصلاحات التي تبناها التيار وأعلن تمايزه حيث ينبغي وهذا حقه الديمقراطي الطبيعي والبديهي أسوة بسواه.

سعى حزب الله إلى ضمان اوسع مروحة من التفاهم الوطني على القانون وآليات تنفيذه واحترم آراء جميع الفرقاء دون اتهامات أوتشكيك وقد شكل حزب الله وحركة امل قوة وازنة متناغمة مع معظم طروحات التيار خلال مناقشات القانون بينما جاء الاعتراض والرفض من جهات اخرى يعرفها معالي الوزير فلم نفهم أين وجه الاعتراض والطعن او التشكيك الذي يوحي به البيان.

إذا كان المقصود الذي اوحت به استنتاجات بعض الزملاء أي التصويب على تحالف حزب الله وحركة امل واعتباره تغطية لرفض الإصلاح فأين هي المبادرة الإصلاحية التي اعترضها حزب الله او حركة امل في طريق بناء الدولة التي سيعاد تشكيل مؤسساتها بعد الانتخابات والاتهامات الموحى بها ضد حركة امل في هذا المجال تفتقر إلى المصداقية في وقت يعلم العارفون ان المشروع الإعماري هو القاعدة التي نشأت عليها مثالب مرحلة ما بعد الطائف التي نتفق مع التيار في نقده لها.

ان حزب الله يسهل حركة العهد لترسيخ التفاهمات الوطنية ولتثبيت الاستقراربتحاشي أي احتكاك مع أي جهة كانت بما في ذلك القوات اللبنانية التي لا توقف هجماتها ضد المقاومة بصورة مستمرة فهل هكذا يعامل النهج الناضج والمسؤول لقيادة حزب الله؟ وأين يدفع لبنان الثمن ؟ أوليس سلوك حزب الله تحصينا للبلد وتجنيبا لدفع الأثمان التي غالبا ما يحملها منفردا؟ بمافي ذلك صمته على العقوبات التي تستهدفه ويتطوع البعض لتسهيلها عبر قنوات الوصاية المصرفية الأميركية.

بكل أسف إن المشكلة هي في مكان آخر فقد فشلت “حكومة استعادة الثقة” في معالجة الملفات البسيطة والعادية التي أعطاها فخامة الرئيس الأولوية منذ انتخابه فالنفايات متفاقمة والكهرباء على حالها وكذلك فرص العمل المعدومة ونزيف الشباب إلى الخارج مستمر وليس السبب موقف للرئيس نبيه بري او تصرف لحزب الله والأولى هو البحث عن السبب الفعلي للعثرات.

فوق ما تقدم يقبع البلد تحت وصاية سعودية اميركية فرنسية تمنع علينا فتح آفاق جديدة للنمو والانتعاش من خلال إلزام الدولة بعدم القيام بأي مبادرات اتجاه سورية وإيران وروسيا والصين حيث يمكن البحث عن مجالات استثمار وتعاون ونهوض ويحرص حزب الله على عدم إثارة هذا الملف الخلافي او اعتراض سير الحكومة وسياستها الخارجية المنضبطة ضمن الممنوعات.

… لم تصدر عن حزب الله بادرة اعتراض واحدة على انزلاق الحكومة في جولة اقتراض جديدة تحت الرعاية الفرنسية التي كانت جزءا من آلية الوصاية التي تضمنتها عملية الإفراج عن رئيس الحكومة مؤخرا وحزب الله لم يحرك ساكنا او اعتراضا واعتبر فخامة الرئيس ضمانة كافية لمنع ارتكاب أي هفوة تضر بالسيادة الوطنية والمصالح العليا بل قرر بمنهج التسهيل الداعم للعهد ان يتكيف مع النأي المزعوم الذي لا يلتزم به الآخرون أبدا وتصريحاتهم العدائية والاستفزازية ضد سورية ورئيسها وضد إيران وقيادتها مدوية صاخبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى