بقلم غالب قنديل

طائفية النظام والحلقة المفرغة

غالب قنديل

جددت الأزمة الأخيرة التي عشنا يومياتها حقيقة استحالة إنتاج استقرار مديد مع النظام السياسي الطائفي أيا كانت معادلاته الداخلية وقد بينت التفاعلات الميدانية والإعلامية حجم التوحش اللبناني المكتوم في ثنايا النفاق الوطني مرة اخرى.

مصدر الخطر هو ان بنية هذا النظام السياسي قامت على حقيقتي التصادم المحتوم بين القوى المكونة للسلطة بمواقعها التمثيلية الطائفية السياسية وتغذيتها المتجددة من العصبيات التي قد تنقلب إلى خنادق تجري فيها وحولها دماء اللبنانيين في أي لحظة وعند أي هفوة او زلة تثير الانقسامات وتطلق حمى التعصب واللغة التناحرية بجميع موروثاتها المشينة والوخيمة وغير المشرفة لأي كان.

حبس الناس انفاسهم في كل مكان وعاشت اجيال لبنانية عديدة ومن جميع المواقع السياسية هاجس انبعاث الحرب الأهلية البغيضة والفرز السكاني القبيح وتدمير جسور التواصل الإنساني والاجتماعي العابرة للطوائف والمناطق بينما تحولت وسائل الإعلام إلى متاريس لحملات تحريض غلب عليها الفلتان الفوضوي والتحريض الغرائزي وانتهاك جميع المحرمات الوطنية بما فيه ما يفترض ان يكون محصنا من التطاول والخرق وهذا الواقع الإعلامي هو امتداد طبيعي للمحاصصة والحماية السياسية ولتعليق آليات القانون ومحاصرة المجلس الوطني للإعلام بهدف شله ومنعه من العمل التي حكمت الواقع الإعلامي منذ تقاسم التراخيص بعد الطائف وبعد الإغلاق القسري للمنابر الوطنية التي تمردت على المشروع الإعماري بجميع مكوناته الخارجية والداخلية فاستحقت السحق ولم تجد من يتضامن معها.

في الدستور الذي صدر بعد الطائف مادة رقمها 95 هذا نصها :

“على مجلس النواب المنتخب على اساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية, تضم بالاضافة الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بالغاء الطائفية وتقديمها الى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية. وفي المرحلة الانتقالية:

أ- تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزراة.

ب – تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والامنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقا لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الاولى فيها وفي ما يعادل الفئة الاولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص اية وظيفة لاية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.”

هذا النص علق فعليا منذ العام 1992 بل إن سوابقا وأعرافا أرسيت بما يخالف محتواه واحكامه عن عمد مما يضاعف عناصر الاحتكاك الطائفية في المجتمع وبما ان جميع الأطراف يعتبرون القانون الجديد فرصة لتصحيح التمثيل السياسي وإزالة أي غبن لحق بهم وبطوائفهم فقد آن الأوان لفك عقال المادة 95 وتطبيقها طالما ان المجلس النيابي الجديد سينتخب على أساس قانون تم التفاهم عليه بين جميع القوى الرئيسية المكونة للواقع السياسي اللبناني ولن تكون اعتراضات جدية على نتائج الانتخابات ومشروعيتها بعد اعتماد النسبية.

الفرصة سانحة لتنفيذ المادة 95 بقانون دستوري يجب ان يكون اول ما يناقشه المجلس المنتخب بعد تشكيل اول حكومة جديدة بعد الانتخابات ونيلها الثقة.

سيبقى لبنان أسير دورات احتقان وانفجار وازمات سياسية متجددة طالما الصيغة الطائفية السياسية للحكم هي قاعدة إنتاج المؤسسات التي تحكم بنيان الدولة وهي قرينة التقاسم والمحاصصة وحاضنة الفساد والخلل ومنتجة التصادم والحروب والعنف السياسي الذي يطوف على جميع منابرنا الإعلامية دون حساب ويبيح العودة إلى خيارات مكلفة وخطيرة حاصلها التدمير الذاتي كما يعترف الجميع في الصحوات العابرة من سكرة التطرف الطائفي والتعنت السياسي بقوة الدفاع عن المصالح والمكتسبات التي تغلفها خطب الدفاع المزعوم عن الطوائف المسخرة بجمهورها لحشد وقود المواجهات من الفقراء الذين يدفعون إلى حافة الاحتراب المميت كما جرى تباعا في تاريخ لبنان المخجل والمشين وحيث يبتلع التوحش الطائفي كل البوادر المشرقة وكاد يهدد أفضل منجزات العقدين الماضيين وهو التفاهم الوطني بين حزب الله والتيار الوطني الحر.

تهديد وزير حرب العدو ذكرالقيادات السياسية جميعا بأن هناك من يتربص بلبنان وان الأطماع الصهيونية المردوعة بقوة المقاومة والجيش والشعب ما زالت تهدد البلد ومقدراته دون انقطاع بينما هم مستنزفون ومنصرفون إلى مناكفات عقيمة ولغو مشحون بمصادر الأذى وبمخاطر إشعال كارثة وطنية جديدة. المطلوب بعد هذه الخضة التي غلبتها لغة العقل والمسؤولية ولو متأخرة لبضعة أيام لابد من حماية لبنان بتحرير المادة 95 التي كان تعليقها سدا لمنافذ الإصلاح الوحيدة في الطائف وصيغته الانتقالية التي جعلت دائمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى