بقلم غالب قنديل

“التوجه شرقا”: التنمية والاستقلال

غالب قنديل

هذا الشعار الذي رفعه الرئيس بشار الأسد لا يخص سورية لوحدها بل هو خيار ثقافي وحضاري وسياسي واقتصادي عربي ينبغي الترويج له والعمل على تعميمه ولبنان اول المعنيين بهضم هذه المبادرة الحضارية وتحريكها انطلاقا من ظروفه ومصالحه .

بقوة العادة ترسخ الاعتقاد الافتراضي بأن العلاقة بالدول الصناعية الغربية هي ممرنا الإجباري إلى الحداثة والتطور وبأن لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كل ما تحتاجه دولنا العربية من معرفة علمية وتكنولوجيا يمكن ان تغرفه من دول الغرب التي توسلت الهيمنة على موارد الثروة والأسواق وسعت لتهميش قطاعاتنا الإنتاجية بقصد تحويلنا إلى أسواق استهلاكية مشرعة امام هيمنتها الكلية التي دشنتها بتدمير منهجي لأي صناعات وطنية مستقلة وهي بواسطة تلك الهيمنة تعمم الحروب والتدخلات لتكرس سيطرتها الاقتصادية والسياسية والثقافية بالقوة كما توفر دعما شاملا ومطلقا للقوة العسكرية الصهيونية العدوانية بهدف إخضاع أي قوة تحررية عربية تنشد الاستقلال وتحاول شق طريقها الخاص في التنمية الوطنية والدفاع عن استقلالها وسيادتها وهذا هو تاريخ علاقتنا بالغرب الصناعي منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية وانطلاق التقاسم الاستعماري لمنطقتنا وصولا إلى عصر الهيمنة الأميركية الراهن.

الشرق الصاعد باقتصادياته الحديثة وثروته الفائضة وإمكاناته الهائلة وبتطوره التقني المتسارع يقدم لنا خيارات جديدة ويطرحها امام شعوب العالم الثالث بكل يسر وإيجابية وعلى أساس الندية والتكافؤ وميزة هذا الشرق أنه كناية عن نماذج حضارية وثقافات قريبة إلينا من حيث قيمها الإنسانية والأخلاقية.

تبين سلوكيات دول الشرق الكبرى أي روسيا والصين وإيران حرصا خاصا على تأكيد احترام سيادة الدول ورفض السلوكيات العدوانية والسعي إلى إعادة التوازن للعلاقات الدولية ولمنظمة الأمم المتحدة وهي تشترك في التصدي لمعالم الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم التي سار الأوربيون في ركابها وخضعوا لها خصوصا في منطقتنا وأهم ما في سياسة هذه الدول مساندتها لقضية فلسطين التي تتخلى معظم عنها الدول العربية ولحق المقاومة المشروع ضد الاحتلال الصهيوني .

استهلك الغرب الصناعي دورته الحضارية الصاعدة وهو يدخل في منحدر ازماته المفتحة ويمثل التمسك بالتبعية للنمط الغربي نزعة ماضوية بعد تراجع الغرب الاقتصادي والحضاري بعد انكشاف غطرسته الاستعمارية وسعيه للهيمنة والعدوان ودعمه للإرهاب الذي اعتمده اداة لحروبه المتنقلة الهادفة لتدمير الدول والمجتمعات وبالمقابل قدمت روسيا وإيران كل الدعم والمساندة للدول الوطنية والجيوش الوطنية وللشعوب في مجابهة خطر الإرهاب والتوحش الذي دعمه الغرب وأعوانه ودججه حتى الأسنان.

علينا ان نمارس أقصى درجة الانفتاح الثقافي والاجتماعي على حضارات الشرق في الصين وروسيا والهند وإيران ولايجب ان تبقى تلك البنى والتجارب الحضارية العريقة بقيمها ومنتجاتها وتعبيراتها مجهولة عند الرأي العام العربي وينبغي تشجيع كل المبادرات الهادفة للتواصل مع هذه الدول والمجتمعات بكل حرارة وصدق وتحريك مبادرات مشتركة لتفاعل التجمعات الثقافية والأكاديمية والاقتصادية وتعاونها في انماط من العمل المشترك والمثمر وتخطي حدود التعارف إلى التعاون في سبيل المصالح المشتركة الكثيرة والضخمة من حيث حجمها ومردودها .

القوة والتكنولوجيا والمعرفة والطرق المستقلة للتنمية والتطور المتحرر من أي قيود لها مسار واحد هو التوجه شرقا وينبغي تهديم الجدران الافتراضية التي تمنع قيام اوثق العلاقات بين وطننا العربي وشرقنا العربي خصوصا وهذه الدول والحضارات الصاعدة التي تضرب لنا موعدا مع مستقبل العالم الجديد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى