بقلم غالب قنديل

سنة أولى للرئيس ” الجبل ” في بعبدا

غالب قنديل

كثيرة هي الآمال المعلقة على وجود العماد ميشال عون في قصر بعبدا وأحيانا لم يضع أصحابها في اعتبارهم ان رئاسة الجمهورية بعد الطائف لم تعد كما كانت قبله رغم شخصية الرئيس وزعامته لقوة سياسية وشعبية كبيرة باتت شريكا في معادلة السلطة إلى جانبه وحسنا فعل الرئيس باعتبار ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة بداية فعلية للعهد فهو مرغم على الحكم بصلاحياته المقيدة بالمساكنة مع بقايا عهود متراكمة من التقاسم الطائفي والمحاصصة والتمثيل السياسي والنيابي الزائف الذي لا يعكس بأمانة صورة الواقع الشعبي في البلاد مع كمية ضخمة من الأزمات المتشعبة والمتداخلة تضع كتلة هائلة من المطالب والحاجات مقابل خزينة فارغة ومثقوبة بمخارز الديون الربوية.

لا نجد في هذه السنة إلا التاكيد والتجسيد لوصف السيد حسن نصرالله قائد المقاومة عن “جبل” المقاومة في بعبدا فقد جسد الرئيس ميشال عون القول بالفعل وتصدى لضغوط خارجية مكثفة ولم يبدل أبدا بل واجه بصلابة تثير الإعجاب دفاعا عن فكرة التلاحم بين الجيش والمقاومة والشعب ووجد في المعركة ضد خطر الإرهاب التكفيري ما يسند حجته القوية دفاعا عن المقاومة ودورها الوطني بلغته السياسية المحسوبة التي أعاد فيها الجميع اكتشاف الرئيس ميشال عون رجل الدولة البارع في تجسيد المعنى بعقلانية عميقة وراسخة وبدبلوماسية ذكية ومقنعة.

في موضوع العلاقة مع سورية لم يساوم الرئيس ميشال عون على قناعاته ومبادئه فما كان يعلنه قبل الرئاسة جسده رئيسا ولو بحذر كبير أحيانا وبادلته سورية الثقة والمودة وقبلت تدرجه البطيء الهادف لاحتواء الضغوط الشرسة وصولا إلى اجتماع الوزيرن جبران باسيل ووليد المعلم ومباحثات رجل الثقة اللواء عباس ابراهيم في دمشق ونستطيع القول إن طموحات الرئيس في هذا المسار كثيرة وكبيرة لأنه مدرك لحقيقة الخيار الذي يحقق مصالح لبنان العليا بالمعنى الإبجابي وعلى المدى البعيد وليس فحسب في معالجة ملف النازحين الثقيل اقتصاديا وسياسيا وامنيا لكن الرئيس عون مثال في الصبر والنفس الطويل عكس الصورة التي روجها خصومه تاريخيا.

يمكن القول اليوم ومع انقضاء السنة الأولى ان وجود العماد عون في بعبدا اتاح تحقيق الإنجازات العظيمة لمعركة الجيش والمقاومة بالتناغم مع الجيش العربي السوري لتحرير الجرود ودحر الإرهاب التكفيري وحماية لبنان من تهديده بقدر ما سمح بتحصين معادلة القوة الذهبية فالعلاقة بين الجيش والمقاومة في احسن حالاتها داخل معادلة الدفاع الوطني ولم يسمح الرئيس عون لأي كان بالمس بها من الداخل والخارج رغم الضغوط الكثيفة فكان جبلا صلبا لا يتزحزح ولا يتردد في إعلان موقفه الداعم والمتبني للمقاومة بكل صراحة.

حققت السنة الأولى من عهد الرئيس أهم إنجاز إصلاحي في النظام السياسي اللبناني منذ اتفاق الطائف وهو الانتقال من النظام الانتخابي الأكثري الإلغائي إلى النظام النسبي ورغم كل الشوائب الباقية لجهة الخلل في تقسيم الدوائر وتأجيل استحداث مجلس الشيوخ وعدم تحرير التمثيل النيابي من القيد الطائفي لكن ما انجز بإصرار من الرئيس وتياره بالشراكة مع حزب الله وحركة امل وسائر الحلفاء يمثل تقدما نوعيا ومهما في تاريخ لبنان السياسي رضخ له الآخرون بعد اعتراضات شرسة لم توفر وسيلة.

ثمة ظواهر نشأت في هذه السنة لا تشبه الرئيس الصارم في مبدئيته وهي تنتمي إلى مفردات وعادات النظام الطائفي الذي كرس العماد ميشال عون ردحا من حياته السياسية في نقده فقد ماشى التيار اللغة السائدة في سعيه لتصحيح التوازن الوطني الذي لحقت به أعطاب وتشوهات خطيرة من حقبة الطائف التي تسمى ظلما بالوصاية السورية فهي واقعيا حقبة استقواء الحريرية بالدور السوري لفرض نظام التقاسم الطائفي المبني على تهميش الشريك المسيحي والحقيقة أنها صيغة مانعها الرئيس نبيه بري حتى العام 1995 ثم اخضعته لمسارها مع التمديد للرئيس الراحل الياس الهراوي بدلا من انتخاب العماد اميل لحود الذي كان مشروع الرئيس نبيه بري حينها.

بدا التيار الوطني الحر في هذه السنة مغامرا بصورته العلمانية مسيحويا في خطابه متأثرا بالمزيدات التي حاصرته وأقحمته في لعبة “لي القضيب ” لرد الاعتبار إلى توازن الشراكة الطائفية فخيب آمال حلفائه العلمانيين بتساوقه مع لغة التعصب الطائفي التي رفضها الجنرال مبكرا وبدا تياره يخوض سباقا تمثيليا مع القوات والكتائب في هذا المضمار وهو ما يبعده عن اللغة اللاطائفية التي جذبت إليه وحوله طيفا وطنيا عريضا وكرست تحالفه الوثيق مع حزب الله منذ لقاء كنيسة مارمخايل وقد انطوى هذا المسار على سقطات مؤذية منها قرار المجلس العدلي الأخير ومشاركة رئيس التيار التي لم تكتمل في احتفال تعويم وتبرير بشيري لخيار الارتباط بالعدو الصهيوني.

رغم ما تقدم ورغم كل ما يثار من غبار نجد تجربة السنة الأولى دافعا مفحما لتجديد الثقة والأمل مع هذا الرئيس الوطني الصلب الذي نعرف وجدانه الشعبي المقاوم وثقافته التغييرية اللاطائفية ونثق بعزمه على نقل البلاد إلى جمهورية جديدة تليق بتطلعات الشباب المحبط الذي تقذف به الأزمات الخانقة خارج الحدود ونجدد القول لكل دعاة التغيير لا تنتظروا المعجزات من فوق متفرجين فعليكم واجب المبادرة وبلورة الإرادة التي تفرض معادلات مواتية لتعديل الاتجاه فهذا الرئيس يحمي لكم الفرصة المتاحة فاغتنموها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى