بقلم غالب قنديل

طبول الحروب الأميركية

غالب قنديل

مع تسارع دوران الزمن الفاصل عن صدور موقف أميركي “جديد” حول الاتفاق النووي وعن التجارب الكورية يبلغ التصعيد السياسي والإعلامي الأميركي ذروة شاهقة من التوتر بعبارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تهدد كلا من كوريا الشمالية وإيران بحرب مدمرة ويطوف السؤال في العالم عن جدية الاحتمالات التي تنذر بجحيم كوني جديد بل يتكرر تعبير الحرب العالمية في معظم المقالات والتعليقات المنشورة عن هذا الموضوع .

أولا حساب توازن القوى باعتراف جنرالات البنتاغون يؤكد ارتفاع كلفة المغامرة بالحرب سواء ضد كوريا ام ضد إيران وأسباب ذلك عديدة بدءا من عقدة تحالف البلدين مع الصين وروسيا وخطر تحول المواجهة ( أي مواجهة ) إلى حرب كونية شاملة بوقوع احتكاك صغير وهو ما اوردته مراكز التخطيط الأميركية المحافظة في عرضها الأخيرلحيثيات التنسيق الروسي الأميركي حول سورية.

ما يصح بالنسبة لسورية يصح بدرجة أعلى في كوريا التي تنذر باستخدام صواريخ نووية قادرة على ضرب أهداف في الولايات المتحدة بينما أنذر الحرس الثوري الإيراني قطع الأساطيل الأميركية بالابتعاد ألفي كيلومتر عن إيران بما يناسب المدى الفعلي لآخر ما صنعته إيران من الصواريخ بعيدة المدى وقد سبق ان أجرى جنرالات البنتاغون تلك الحسابات عشية توقيع الاتفاق النووي مباشرة وخرجوا بتقدير للموقف عن ضرورة تنحية الخيارات العسكرية والتشدد في المتاح إحكامه من عقوبات بعد الاتفاق وحصر الاشتباك في برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية وهذا ما جرى فعليا.

ثانيا هذا الحساب العقلاني قد تتخطاه رعونة القيادة الإمبراطورية المهزومة التي تريد الثأر لهيبتها المتداعية نتيجة ما لحق بها من هزائم وهذا ما حصل في العديد من الحالات التي عرفها العالم في تاريخه على الرغم من مفهوم توازن الرعب الذي يطلق على شيوع أسلحة الدمار التقليدية والنووية وانتشارها والتي ستقتضي استخدامها خطط الدفاع الكورية أوالإيرانية.

مزاج الرئيس الأميركي دونالد ترامب وشخصيته الانفعالية يعتبران مولدا للخطر في نظر العديد من المراقبين والمحللين ولكن من الملاحظ ان هذه المخاوف اوجبت تنصيب مجلس عسكري في البيت البيض لمنع المغامرات المؤذية فجميع التقارير المتداولة تؤكد ان ثلاثي الجنرالات كيلي وماتيس وماكماستر احكم قبضته على آلة صنع القرار الرئاسي وبالتاكيد فمن يتحكم بلقاءات الرئيس مع اولاده بيده التحكم بقراره حول تحريك الجيوش والأساطيل.

ثالثا المرجح ان يكون التصعيد عبر التلويح بالحرب لعبة ابتزاز وضغط مدروسة غايتها سن عقوبات جديدة ضد كوريا وإيران وإلزام دول الغرب الصناعي بتنفيذها وتوجيه رسائل قاسية أخرى لكل من روسيا والصين في إطار الصراع الدولي الجاري ضد نظام الهيمنة الأحادية الأميركية الذي أعقب نهاية ما عرف بالحرب الباردة وحيث يجري المخاض الراهن لرسم ملامح حرب باردة جديدة تدور فيها الحروب والصراعات تحت سقف تحاشي الصدام الذي يحتمل الانزلاق إلى الحرب الكونية التي ستحرق الجميع.

تظهير كل من كوريا وإيران لما لديها من قدرات الردع الدفاعي هو السبيل لتظهير كلفة المغامرة المجنونة وإرغام واشنطن على التراجع طالما لا يزال مجلس الأمن الدولي منزوع الأسنان والأظافر امام الغطرسة الأميركية ولم تفرض القوى العظمى معادلة جديدة تمنع المقامرة بالسلم العالمي نتيجة حماقة يرتكبها متهور نصبته الصدفة في سدة القرار.

رابعا تتبدى عدا كل ما تقدم وظيفة داخلية محتملة للتهور الأميركي الظاهر وهي رصد موازنات ضخمة للجيش والقوات المسلحة تحت شعار الإعداد لصد المخاطر المتزايدة وهو ما اوحت به كلمة الجنرال ماتيس وزير الحرب الأميركي في الاجتماع السنوي لضباط الجيش يوم امس وهو تحدث جهارا عن ضرورة تطوير الترسانة العسكرية الأميركية وهنا يجب الالتفات إلى لوبي صناعة الأسلحة وتسعير الحروب بقصد زيادة موازنات البنتاغون ولترويج صفقات السلاح الأميركية في العالم.

الجنرال ماتيس خاطب ضباطه مناديا بمطالبة الكونغرس رصد اموال لشراء مزيد من السلاح للقوات الأميركية بما يناسب المخاطر المتزايدة على هيبة الولايات المتحدة وهنا يجب الانتباه لدور الكارتلات الصناعية الحربية ومجموعات الضغط التابعة لها والمأجورة عندها والتي شكلت محركا على الدوام للتطرف والتهور السياسي الأميركي في العالم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى