بقلم غالب قنديل

الأسد والشراكة مع روسيا

غالب قنديل

قبل عامين اتخذ الرئيس فلاديمير بوتين قرار الانخراط الروسي مباشرة إلى جانب الدولة الوطنية السورية والجيش العربي السوري في القتال ضد الإرهاب التكفيري وبناء لتقييم مشترك اجراه مع الرئيس الدكتور بشار الأسد حول المخاطر والفرص الناتجة عن مقاومة الغزوة الاستعمارية  التي تقودها الولايات المتحدة في الشرق العربي بالشراكة مع تركيا وقطر والسعودية ودول الناتو (لا سيما بريطانيا وفرنسا) .

كان الرئيس الروسي قبل أيلول 2015 قد أبدى إعجابه بقدرة الرئيس الأسد على قيادة بلاده في معركة الدفاع عن استقلالها ومجابهة التحدي الاستعماري بثبات وقوة وقد فرضت الأحداث على بوتين عقد مقارنة بين أوكرانيا وسورية التي أبدى انبهاره بشجاعة وقوة زعيمها المقاوم الذي صمد طويلا بمفرده في وجه حملة عالمية جندت لها الولايات المتحدة عشرات الدول (تخطى عددها المئة بداية ) وعشرات آلاف الإرهابيين والمرتزقة متعددي الجنسياتب بينما  حليف روسيا الأوكراني  الرئيس فيكتور يانوكوفيتش لم يصمد أياما في وجه الانقلاب الذي دبرته الاستخبارات المركزية الأميركية.

منذ نهاية أيلول 2015 ساهم الجيش الروسي بقوة في العمليات الجوية والبحرية واحيانا البرية التي يخوضها الجيش العربي السوري الذي حظي بدعم شريكيه في محور المقاومة الإقليمي إيران وحزب الله بعد حوالي سنة من بدء العدوان الكبير والخطير وقدمت روسيا أرواحا غالية من ضباطها وجنودها استحقت تحية واحترام القائد الأسد ومن خلفه السوريون الأوفياء ومحور المقاومة مجتمعا.

اقتضى اقتناع روسيا وإيران بخطورة الموقف ومصيريته بالنسبة لهما وقتا ضروريا تكبدت فيه سورية منفردة في البداية ومن ثم وبعد سنة بالشراكة مع حزب الله عبء المجابهة وأكلافها ونجح الرئيس بشار الأسد بالصمود الشجاع الذي جسده في انتزاع الاعجاب والاقتناع بتشخيصه للحرب التي تستهدف بلاده بوصفها عملية استراتيجية لفرض الإذعان للهيمنة الأميركية الصهيونية على المنطقة والعالم وتنطوي على اهداف اقتصادية وعسكرية وأمنية أيضا تمثل تهديدا مباشرا لكل من روسيا والصين وإيران هو ما عبر عنه الرئيس بوتين عشية إعلان قراره في قمة دوشنبيه للمجموعة المستقلة شريكة روسيا الاستراتيجية عندما أحاط نظراءه علما بان القوات الروسية ذاهبة استباقيا إلى سورية لحماية دولهم وعواصمهم من خطر عصابات التكفير الإرهابية التي سترتد إليهم مالم تردع ويجهز عليها في سورية.

لم تكن اول مرة تجد فيها القيادة الروسية بعدا حاسما لأمنها القومي في سورية والشرق العربي بل إن من يقرأ التاريخ القريب يجد ملامح هذه السمة الاستراتيجية قبل بضعة قرون من الزمن حين فرضت روسيا على الإمبراطورية العثمانية مراعاة مصالحها في المنطقة وشكلت بنتيجة ذلك حضورا شريكا في صنع المعادلات السياسية داخل لبنان وسورية بشكل خاص وحيث تجسدت عبارة الإمبراطورة كاترين: مفتاح غرفة نومي في طرطوس.

نجح الرئيس بشار الأسد بمعونة حليفه الأقرب قائد المقاومة السيد حسن نصرالله في إقناع شريكيه روسيا وإيران بأن انتصار سورية سيكون انتصارا لإرادة رفض الهيمنة الأميركية الأحادية في العالم وفرصة لفرض توازن جديد في الشرق وقد شهدت لقاءات صينية روسية إيرانية وسورية عديدة ثنائية وجماعية بعد الانخراط الروسي تداولا لأفكار طموحة حول مشاريع شراكة عابرة للحدود من أعالي قمم الصين وأفغانستان وروسياالآسيوية إلى سواحل المتوسط السورية وهي مشاريع رسمت خرائط بعضها ووضعت خطط لتنفيذ البعض الآخر على إيقاع تحول ميزان القوى بفعل نهوض قوة الجيش العربي السوري بمعونة حلفائه ودعمهم الكبير وخصوصا بفضل الدور الروسي الحاسم في تغيير توازن القوى.

من ملامح عبقرية القائد الأسد ان يكون تلاقي الحلفاء حول سورية مهدا لتقارب سياسي كبير يؤسس لتشكل كتلة شرقية قوية وهادرة توحدت قواها المقاتلة في الميدان بمعمودية دماء وشهداء ونيران وان تؤدي هذه الشراكة إلى تقارب يشمل فهما مشتركا للتحديات والفرص فتجتمع إرادة الشركاء على مصالح مشتركة تنطلق من سورية وتتوسع حول فهم موحد للواقع الدولي ولسبل تغييره بما يوفر إرادة سياسية مشتركة باتت واضحة ومتبلورة بقوة.

ليس الإنجاز الوحيد لما عرف بالانخراط الروسي في سورية تعديل ميزان القوى او إلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة وخططها كما يعترف مؤخرا المحافظون الجدد بل إن الأهم في كل ذلك هو انبثاق منظومة تقاتل معا وتتحرك معا وتخطط معا في كل شاردة وواردة تخص الوضع السوري وامتداداته الإقليمية والدولية وبحيث سيكون الانتصار السوري الناجز ايذانا بانبثاق كتلة شرقية اقتصادية ومالية وعسكرية وامنية هادرة منطلقها سورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى