بقلم غالب قنديل

تركيا تنقلب على بيان موسكو

غالب قنديل

تؤكد الوقائع الميدانية أن تركيا تنقلب على تفاهمات موسكو رغم كل ما يظهرعلى السطح من معالم الاشتباك التركي الإعلامي مع الغرب من خلال حملات رجب طيب أردوغان ومعاونيه ضد الدول الأوروبية ومع مرارة الخطاب التركي الذي تحركه خيبة حزب العدالة والتنمية الثقيلة بعد سقوط مشاريعه ورهاناته على اخونة البلاد العربية بنتيجة الفشل المدوي لحروب الهيمنة والإرهاب في سورية ومصر وتعثرها الكبير في اليمن وليبيا ورغم الشراكات السعودية والقطرية الخليجية في تلك الحروب والدعم الأميركي الأطلسي الكبير الذي حظيت به منذ ست سنوات ضمن موجة الأكاذيب التسويقية لما سمي بالربيع العربي .

مع ظهور التبعات والتداعيات الخطيرة التي برزت آثارها ونتائجها العميقة داخل تركيا اقتصاديا وسياسيا وامنيا اختار أردوغان المناورة ورفض المراجعة او التراجع فما زالت المؤشرات تدل على عمق ارتباط الحكم التركي بالخطط الاستعمارية الأميركية في المنطقة وهي تدعو إلى التحفظ الشديد إزاء كل ما يشاع عن ميل أردوغان للانتقال إلى المحور الروسي الصيني الإيراني رغم حجم ما يقدم له من إغراءات وفرص كبيرة اقتصاديا وسياسيا.

أولا الاختبار الروسي الإيراني لخيارات تركيا الفعلية أجري في سورية وانطلق مع بيان موسكو عشية تشكل الإدارة الأميركية الجديدة بعد الانتخابات الرئاسية وهو قدم ما يمكن اعتباره فرصة جدية لأردوغان عبر الاتفاقات والتفاهمات التي انطلقت في أستانا ورسمت له صورة المشارك في رعاية الحل السياسي بينما هو أخطر من أشعلوا الحرب على سورية وارتكبوا جرائم النهب والقتل المنظم على أرضها وهو ما تعرفه موسكو وطهران بالوقائع والتفاصيل.

لكنها فرصة منحت لسلطان الوهم العثماني باختبار استعداده وقدرته على المشاركة في تفكيك منظومات التمرد العسكري المعادية للدولة الوطنية السورية وفك ارتباطها بشبكة القاعدة وكذلك لفحص مدى جدية أردوغان في وقف الدعم عن داعش التي هي ربيبة الحكم الأخواني التركي ومخابراته وشريكة عائلة أردوغان في نهب النفط العراقي والسوري.

ثانيا في نتائج الاختبار الممتد منذ تفاهمات أستانة يتضح بقوة ان الترابط بين الفصائل المسلحة ذات المرجعية التركية وجماعة القاعدة وثيق وقوي ويتاكد أيضا ان أردوغان يمارس الابتزاز والمناورة اتجاه روسيا وإيران لتعزيز دوره ولتغطية تدخلاته وليمسك بأوراق ضاغطة ضد الدولة السورية وسيادتها واستقلالها .

من يوم عودة اتصاله المباشر بالبيت الأبيض واستقباله لموفدي دونالد ترامب الخاصين يتلاعب أردوغان ويعطل تنفيذ الاتفاقات المبرمة مع طهران وموسكو وينقلب على تعهداته والشاهد هو التصعيد العسكري الأخير في محيط دمشق وريف حماه وحيث لا يمكن تصديق الادعاء بان اسطنبول بريئة من هذه الموجة الجديدة ولا يمكن أيضا اعتماد الشائعات القائلة بان انقلاب العصابات التابعة لتركيا على الاتفاقات تم بطلب سعودي قطري بل إن المرجح ان تكون التفاهمات السعودية الأخيرة مع أدروغان رسمت توزيعا للأدوار تواطأت فيه تركيا للتنصل من بيان موسكو واتفاقات أستانا بدافع الابتزاز السياسي الذي تريد به حجز مكان لعملائها في مستقبل سورية والتحكم بما سيتم التفاهم عليه بين السوريين في أي حوار سياسي حول المطالب الكردية تحسبا لأخطار انتقال العدوى.

ثالثا أثبتت إدارة دونالد ترامب ارتماءها في حضن اللوبي الصهيوني الذي يدعم تصعيد الحرب على الدولة السورية وتفعيل مزيد من العقوبات ضد إيران ومضاعفة الجهود ضد حزب الله وحركات المقاومة في فلسطين وقد تكيف أردوغان وحكومته مع هذه الرؤية الأميركية في الشهرين الماضيين لاسيما مع عودة التنسيق الأمني والتعاون السياسي بين تل أبيب واسطنبول تحت رعاية واشنطن.

يشكل تصعيد الحملات الكلامية الأميركية ضد داعش وعصابات الإرهاب غلافا تسويقيا لتغطية التدخلات العسكرية الأميركية المباشرة في المنطقة والتي يسجل المتابعون توسعها وزيادة حجمها منذ نهاية كانون الثاني الماضي حيث سجل الباحث الاستراتيجي اندرو باسيفيتش نشر وحدات خاصة في سورية والعراق وتفعيل العمليات العسكرية في اليمن وأفغانستان وليبيا وكل ذلك يدور تحت شعار مكافحة الإرهاب وقد اعتبره الباحث العسكري الشهير شبيها بتورط الولايات المتحدة في فييتنام عبر “المزيد من الشيء نفسه” فما هي “جدوى اختبار ادوات غير فاعلة مجربة منذ خمسة عشرعاما في الشرق الأوسط الكبير ولن تحدث فرقا” لكن في خلفيات التدخلات الأميركية حسابات نفطية وسياسية كثيرة والأكيد انها تعني تراجع ترامب عن وعوده برفض الانخراط في الحروب التي ادان تورط إدارتي بوش واوباما بإشعالها … أردوغان تابع لواشنطن ومن يقرأ في نهج البيت الأبيض والبنتاغون يمكن ان يتوقع ما سيفعله في سياق الحرب على سورية ونتائج مناوراته المصلحية مع موسكو وطهران عبر المخادعة والابتزاز السياسي والاقتصادي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى