بقلم غالب قنديل

للمرأة كل الأيام

غالب قنديل

بالتأكيد ليس القصد من هذا العنوان هجاء فكرة اليوم العالمي للمراة او التنصل من واجب معايدة جميع النساء في بلادنا العربية والتنويه بما يضحين به ويبذلنه في الكفاح من اجل الحياة والخبز والحرية والاستقلال والتحرر والعلم والتقدم الاجتماعي .

الغاية هي القول مجددا ان قضية المراة وحقوقها المغتصبة هي قضية كل يوم في رفض الظلم الاجتماعي وكل انواع التمييز بين البشر على أساس العرق او الدين او المعتقد وعلى أساس الجنس كذلك وهي عروة شراكة متجددة بين النساء والرجال في النضال الوطني التحرري.

التذكير بالقضية هو ميزة هذا اليوم العالمي الذي كرسته احزاب وجمعيات تقدمية في مرحلة ما بعد الحرب الكونية الثانية تخليدا لنضالات نسوة احرار بذلن في اواخر القرن التاسع عشر دماء غالية وعزيزة من اجل المساواة والعدالة ومن بعد ذلك اليوم المشهود توالت التحركات والتظاهرات التي انتزعت في بريطانيا حق التصويت للنساء وكرست المساواة بالأجر بين النساء والرجال في العديد من الدول الصناعية الغربية بينما كانت نساء الشرق تقاتل وتحمل السلاح وتوزع المنشورات وتقود التظاهرات من اجل الاستقلال والتحرر الوطني والعدالة الاجتماعية وبرزت نساء ناضلن ببطولة في الجزائر وفلسطين وكوبا وفيتنام والصين وغيرها من دول العالم الثالث .

ما تزال قضية المرأة حية في جميع الدول الصناعية المتقدمة والنامية على السواء بفعل التمييز والاضطهاد والطغيان الذكوري على النظم السائدة ومع سيادة التوحش الرأسمالي ورسوخ المفاهيم والتقاليد الاجتماعية التي لاتزال تشكل معينا لكل قهر وتمييز عرقي او جنسي او ديني.

لكن الأكيد ان الحالة اللبنانية الانفصامية في هذا المجال تشكل ميزة مشينة ومعيبة فخلف قشرة المظاهر الحضارية الاستهلاكية يقيم عالم شديد القسوة والعفن من التخلف والظلم والتهميش رغم ما برهنت عليه المراة اللبنانية من قوة وصلابة وعطاء نضالي بلا حدود في جميع المراحل التي عاشها اللبنانيون خلال الخمسين عاما الأخيرة.

المشهد السياسي اللبناني يثبت هذه الحقيقة زعامات واحزابا ونقابات رغم التسليم النظري بحقوق المراة ورغم تحويل التلفظ بهذه القضية إلى مادة للتباهي والتميز دون خطوات عملية وجدية ولنسأل : ما هوالمانع لتكريس حق المراة بمنح الجنسية لأبنائها ؟ وما هو العائق لوقف ابتذال الصورة الإنسانية للمراة وفرض تقاليد إعلامية جديدة تقوم على احترامها ككائن إنساني كامل الحقوق ؟ وما الذي يحول دون فرض قيم مهنية في التعامل الإعلامي مع صورة المراة بعيدا عن التسليع والتشييء والاستغلال التجاري للإثارة الجنسية القبيحة والمبتذلة وما هو المانع للسير في تدابير قاسية لقمع تعنيف النساء وما هو المانع الذي يمنع احزابا كثيرة من تصعيد قادة من النساء وترشيحهن إلى الانتخابات النيابية والنقابية وهن في الأحزاب يعملن في ظل الرجال ويتركن مهملات للتصفيق والطاعة في الصفوف الخلفية وكانت منهن شهيدات ومقاتلات.

من المخجل ان يضطر أي كان وبعد قرنين من طرح القضية في العالم المعاصر إلى التذكير بجدارة المرأة وبقدراتها التي انتزعت الاعتراف والاحترام وقد احتلت صفوفا متقدمة في مجالات كثيرة مبدعة ومنتجة لكن المجتمع المتخلف يظهر تصميما على استتباعها وإلحاقها بالهيمنة الذكورية مرة بتكلس القوانين ومرات بتحجر المعايير والتقاليد وبالخوف من التغيير .

المراة قبل أن تنعت وتكرم اما واختا وزوجة وابنة تنتزع عمليا جدارتها ومكانتها كمنتجة مستقلة وهي تسهم في شتى المجالات من العمل اليدوي في الحقول والمعامل والمتاجر إلى التعليم والإدارات العامة والمستشفيات والقطاع الطبي واختصاصات الخبرة التكنولوجية المتقدمة لكنها اجتماعيا تقابل بجحود العصور الوسطى وبتسلط جاهلي لا يمت للحضارة بصلة ويبلغ ذلك احيانا درجات بالغة من التوحش تنزع منها استقلالها وبتشريع السطو الذكوري على حاصل جهدها وعرقها وإباحة استغلالها بأبشع الطرق .

وقعت في لبنان عشرات جرائم القتل البربري لنساء وتقع كل لحظة آلاف جرائم التمييز والقهر والاستغلال في أماكن العمل وداخل البيوت المغلقة فتتصيد وسائل الإعلام بعضها بدافع الإثارة والفضائحية لتحولها مادة استغلال بشعة وفاجرة بدلا من عرضها كنماذج لقضية ملحة من خلال التعامل الناضج والمسؤول الذي يرفع الصوت عاليا ضد تخلف القوانين وإجحاف الأعراف البالية المتخلفة بدلا من اللهاث لترويج المشاهد الجنسية والمظاهر الشاذة والمرضية وتضخيمها لتصنيع الفضائح في سعار محموم على العائدات المالية لربح مشبوه عبر هذا النوع من الاستغلال الصفيق والتافه.

واهمة وواهم من تظن / او يظن تحرير المراة وانتزاع حقوقها شأنا نسويا خالصا بل هي واجب كل دعاة التغيير فالالتزام بقضية المرأة هو المعيار الحقيقي للتقدم والتطور وللنضال من اجل تغيير سياسي واجتماعي يحرر النساء والرجال ولاسبيل إليه سوى بحركة ثورية جديدة هادرة قادرة على الانتقال من التبشير بالفكرة إلى مراكمة الإنجازات السياسية والنضالية التي تنقذ البلاد وهذا يقتضي ان تجسد تلك الحركة في شعاراتها وتكوينها وبرامج عملها المضمون الحقيقي لفكرة المساواة بين المراة والرجل بكسر طوق الاحتكار الذكوري والطغيان الذكوري على العمل السياسي الذي ليس إلا علامة فارقة لتخلف مقيم لا ينفيه الفلكلور الموسمي ولا تبدده الشعارات البعيدة عن الممارسة الفعلية التي يشكو فيها المسؤول القادر والمتحكم من قلة حيلته حين يسأل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى