بقلم غالب قنديل

الأسد وانتصار حلب

غالب قنديل

سيكتب الكثير وسيقال الكثير عن نتائج وتداعيات تحرير حلب من قبضة الإرهاب وسوف يتبارى المحللون في دراسة وعرض الاحتمالات ولكن الحقيقة البارزة التي ينبغي الانطلاق منها هي ان الحرب على سورية مستمرة ولحظة النصر الحاسم والتاريخي على العدوان الاستعماري ما تزال تفصلنا عنها مسافة من الزمن والتضحيات والدماء من غير ان ينغص ذلك احتفاليات النصر الحلبي على صعيد سورية وسائر اطراف محورها الكبير.

هذا الإنجاز العظيم كلف تضحيات جزيلة وعزيزة سورية ولبنانية وعراقية وإيرانية وروسية وقد امتزجت على أرض سورية دماء شهداء وأبطال من هذه الدول في ملحمة أممية لدحر وحش التكفير والحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي الذي يقف خلف إطلاقه ورعايته وتحريكه لتدمير سورية والنيل من استقلالها ومن دورها القومي بهدف إخضاع الشرق كله مما جعل الدفاع عن سورية التزاما مصيريا لجميع احرار الشرق وقواه المقاومة الحية الرافضة للهيمنة الاستعمارية والساعية إلى تحرير الواقع الدولي من الهيمنة الأميركية الأحادية وغطرستها.

سوف تشهد الأشهر المقبلة تبلورا اوضح للمعادلات الدولية الجديدة التي ولدها انكسار الغزوة الاستعمارية الصهيونية ضد الجمهورية العربية السورية كما ان التداعيات داخل دول حلف العدوان ستواصل ظهورها وتراكمها كما جرى حتى اليوم من ارتدادات الإرهاب في تركيا والأردن والسعودية وسائر دول الغرب التي تشكو من نتائج فشل المغامرات الاستعمارية بما فيها الولايات المتحدة نفسها التي تشكو آثار وتداعيات الفشل الكبير في إخضاع سورية ورئيسها المقاوم وتعيش في خضم تحولات سياسية كبيرة بعد انتخاباتها الرئاسية وبداية ظهور حكامها الجدد في عهد دونالد ترامب.

الرئيس بشار الأسد قائد يضطلع بدور كبير في هذا المخاض التاريخي لأنه منذ البداية كان مدركا وبقوة لطبيعة الحرب واهدافها وقد ادار الصراع بمنهج علمي حازم واستطاع انتزاع النصر تلو النصر وقهر الصعوبات ومساعدة الحلفاء على فهم المخاطر والحقائق وقد حمل بكل شجاعة مسؤولية قيادة سورية وجيشها ودولتها في أشد الظروف صعوبة وقسوة انطلاقا من زعامته الوطنية ودوره القيادي الذي تعززت ثقة السوريين به فتراكمت حوله كتلة شعبية ساحقة تمحضه الولاء بوصفه رمزا للاستقلال الوطني ولرفض الهيمنة الاستعمارية الصهيونية وعنوانا للدفاع عن وحدة سورية وحريتها أرضا وشعبا وهذا الرئيس نفسه هو من وضع الخطط العملية لاسترجاع مواطنيه المتورطين إلى حضن الدولة منذ البداية وعمل بكل كد لتجسيد الوحدة الوطنية وتوثيقها في وجه إعصار كوني بنيت أهدافه على تمزيق وحدة السوريين وترابهم لإلباس الغزو الاستعماري والحرب بالوكالة قناع الحرب الأهلية وهنا كان اهم انتصارات الأسد منذ البداية.

حلب مثال قوي وحاضر على هذه الحقيقة ففي يقين أبناء المدينة بجميع مشاربهم ان نهب معاملهم وتدمير احيائهم وبيوتهم هو الشاهد على حقيقة المشروع الأخواني التكفيري وداعميه ولكنهم يعتقدون أيضا بأن ما استهدفت به حلب يعكس رغبة قوى العدوان وادواتها بالانتقام من مساندتهم لجيشهم ولرئيسهم منذ بداية الأحداث السورية حيث رفضوا بجميع انتماءاتهم كل التحريض الطائفي ووقفوا متحدين دفاعا عن سورية الوطن وعن رئيسها متلاحمين مع جيشهم في وجه الخيانات والغدر وفي التصدي لوحوش الإرهاب والتكفير متعددي الجنسيات الذين غزوا المدينة وأريافها وقد كان رهان حلف العدوان على ضم حلب إلى معاقل سيطرته كبيرا والحصيلة ان الحلبيين كانوا القلعة الفعلية الثابتة كحجارة قلعتهم التي صدت الهجمات لأربع سنوات.

معركة حلب كانت محطة فاصلة في المسيرة الوطنية السورية التي يقودها الرئيس بشار الأسد لتحرير البلاد من الإرهاب وهو الهدف الذي أعلنه منذ البداية وما فتيء يؤكده كالتزام وعهد لجميع مواطنيه وما بعد النصر الحلبي سوف تتواصل مسيرة تحرير سورية انطلاقا من تحصين المدينة المحررة وتوسيع دوائر حمايتها واولويات الميدان التالية ستقررها القيادة السورية بالشراكة مع الحلفاء تبعا لحسابات توازن القوى لكن الأكيد ان الاعترافات المتلاحقة بسطوع نجم الأسد دوليا كقائد صد الهجمة الكونية وقدم نموذجا راقيا وقويا في القدرة على نسج التحالفات وإدارة الصراع بكل ثبات وقدرة تشهد بميلاد زعامة عربية كبيرة تشع في المنطقة والعالم والمرحلة القادمة ستثبت ذلك بالوقائع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى