بقلم غالب قنديل

كارثة منى والتصعيد السعودي

غالب قنديل

مضت سنة على كارثة منى التي ذهب ضحيتها مئات الحجاج الإيرانيين وما يزيد على ألفي شخص من جنسيات متعددة وحيث لا يزال المئات من مواطني العديد من الدول في عداد المفقودين بينما لم تنشر المملكة السعودية أي تقرير رسمي عن نتائج تحقيقاتها المتعلقة بالحادثة والتي يفترض بمبدأ العلاقات بين الدول ان تبلغ رسميا لجميع الحكومات المعنية مع اعتذار سعودي واضح وصريح فالمسؤولية المعنوية والقانونية عن الحادثة وعما حل بالضحايا هي مسؤولية سعودية خالصة طالما وقعت تلك الفاجعة خلال مراسم الحج التي تنظمها الحكومة السعودية على أراضي شبه الجزيرة العربية الخاضعة لسلطتها وبواسطة اجهزتها الإدارية والأمنية وبغض النظر عما يتردد في السجالات السياسية فالحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي ان حياة الحجاج وسلامتهم الشخصية وامنهم بل أوضاعهم الصحية ورعايتهم وتامين احتياجاتهم في التنقل خلال مراسم الحج هي مسؤولية حصرية على عاتق الحكومة السعودية واجهزتها الإدارية والأمنية والطبية .

منذ وقوع الكارثة تعاملت إيران بهدوء مع الوقائع والمعطيات ولم تتخذ من فاجعة مئات العائلات الإيرانية بالمصير المجهول لأبنائها ذريعة لتصعيد سياسي في علاقة متأزمة بين الدولتين بفعل اوضاع المنطقة وما تعيشه من حروب وصراعات ومع الإشارة الضرورية إلى ان طهران اتخذت المبادرات المتلاحقة لترطيب الأجواء ولتحسين العلاقات متعالية على كثير من الإساءات والحملات الإعلامية والسياسية بل وحتى على التورط السعودي في دعم وتحريك جماعات إرهابية على الحدود العراقية والباكستانية لإيران والاحتضان الرسمي السعودي لجماعات إرهابية كمجاهدي خلق .

المبادرات السياسية الإيرانية المتكررة خلال السنوات العشر الماضية اتجاه الرياض قوبلت بالصد والرفض وبالقطيعة والتحريض العدائي المتصاعد وقد حرصت إيران على عدم التصعيد وقدمت اعتذارها الرسمي عن حادثة السفارة الشهيرة لاحتواء التوتر السعودي الذي استمر وتزايدت حدته سياسيا وإعلاميا ودبلوماسيا.

تابعت إيران مصير حجاجها ببال طويل وبمزيد من الصبر رغم السلوك الاستفزازي الذي قوبلت به البعثة الإيرانية الخاصة التي زارت الرياض بعد فاجعة منى ولم تحصل بالسرعة الكافية على تسهيلات البحث والتقصي حول مصير الحجاج الإيرانيين .

استمر الصمت الإيراني الرسمي سنة كاملة إلى حين أفصح السيد الخامنئي عن بعض المعلومات التي ظلت مكتومة لدى المسؤولين الإيرانيين إمهالا للمملكة ولأجهزتها في تقديم رواية رسمية توضح حقيقة ما حصل والملاحظ ان ما قاله المرشد كان توصيفا لمسؤولية تقصيرية في حدها الأدنى كانت توجب على الحكومة السعودية تلقف طلبات التعاون لتشكيل هيئة تحقيق مشتركة تضم مندوبين وخبراء لكن السعودية ضربت عرض الحائط بجميع الاعتبارات القانونية والدبلوماسية والسياسية فلم تقدم هي تقريرا مقنعا عن نتائج التحقيق ولم تأخذ بمطالبات الدول المفجوعة التي أسكت بعضها ترغيبا وترهيبا بل كان الرد السعودي عنجهيا متعاليا على مثل تلك المطالبات.

حين يلقى الجرحى والمصابون فوق بعضهم في مستوعبات تضم الجثث لا يكون الفعل خطأ فنيا عابرا بل قتلا وبغض النظر عن تمييز صفته إن كان عن عامدا او تقصيريا وحين تعدل التنظيمات المعتمدة من سنوات حول طرق عبور الحجاج الإيرانيين لحشرهم في ممرات ضيقة يصح السؤال عن حجم المصادفة وفعلها الواقعي في مثل هذا التعديل الذي جعلهم عرضة للأذى نتيجة الاحتشاد والتدافع وغير ذلك من وقائع متداولة مؤخرا وتدعو إلى التساؤل عن حقيقة ما جرى وسط تكتم سعودي غير مبرر وغير مفهوم وينتج عنه المزيد من الشكوك والأسئلة .

سنة كاملة من الإهمال والتستر على تقصيرات فادحة بشأن حياة وسلامة الحجاج تعطي المشروعية لموقف إيراني يتناسب مع هذه المسألة والواقع ان سلوكيات الرياض أرغمت السيد الخامنئي على اتخاذ موقف صارم وواضح بعد مهلة اكثر من كافية للاستدراك السعودي .

جاء الرد السعودي في صيغة تحريض مذهبي يكفر الشعب الإيراني برمته وباستخدام تعابير وتوصيفات عدائية وتكفيرية تعني دفع العلاقات إلى اللاعودة في قطيعة نهائية المملكة تخطب ود الكيان الصهيوني وتراهن على دعمه في حروبها المتنقلة ضد سورية والعراق واليمن وضد حركات المقاومة في لبنان وفلسطين وهي في الوقت عينه تعادي إيران وتحرض ضدها وتراهن على النيل منها بأي ذريعة وحتى حين تكون المملكة مسؤولة عن المشكلة او عن سوء التفاهم الذي فجرها مع العلم ان فاجعة منى بجميع ملابساتها هي مسؤولية سعودية كاملة لا لبس فيها وفق القوانين والأعراف الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى