بقلم غالب قنديل

مفاجأة ريفي ومأزق الحريرية

غالب قنديل

شكلت مفاجاة الوزير أشرف ريفي في حصاد غالبية واضحة لأصوات ناخبي طرابلس ذروة درامية لمأزق تيار المستقبل الذي وسمت مظاهره وتعبيراته السياسية والانتخابية الجولات البلدية الأربع خلال الأسابيع الساخنة المنقضية انطلاقا من العاصمة بيروت التي وجهت رسالة عزوف كبيرة وتصويتا وازنا لمنافسي الائتلاف السياسي العريض الذي ضم جميع الخصوم والحلفاء في لائحة واجهت منافسة صعبة من لائحة تضم بعضا من “ناشطي المجتمع المدني” بينهم مستقبليون جاهروا بهويتهم وبرفضهم لخيار الحريري الانتخابي وبتمردهم عليه.

في البقاع تسنى للمستقبل احتواء أعراض التراجع والتصدع بتحالفات تشبه ما نسجه في بيروت مع خصوم الأمس الذين تشارك معهم اللوائح معترفا لهم بوزن تمثيلي واضح كالوزير عبد الرحيم مراد اما في صيدا وبصورة موازية فقد حققت الشراكة الانتخابية مع تيار الدكتور عبد الرحمن البزري والجماعة الإسلامية حصادها مقابل المنافسة التي قادها الدكتور أسامة سعد في حين ان انتخابات إقليم الخروب لم تسر كما اشتهى قادة المستقبل فقد ولى زمان الاكتساح الحريري كما برهنت النتائج.

وصفة الاحتواء السياسي للخصوم بالشراكة الانتخابية لم تفلح في طرابلس وتمكن الوزير أشرف ريفي من كسب السباق الانتخابي بخطاب شعبوي متمرد على ائتلاف الزعامات السياسية الذي يكشف بعض التقارير الصحافية انه كان تحالفا فوقيا كما وصفه ريفي وحيث رأى بعض المحللين ان هذا الائتلاف لم يعط بالا لأهمية إشراك كتل لها وزنها جرى إقصاؤها تعسفيا ويعتقد بعض الخبراء في الشأن الطرابلسي أن تلك الكتل المهمشة ساهمت في غيابها عن رصيد الائتلاف في تكوين النتيجة التي حصدتها لائحة ريفي في الصناديق وقد أثار البعض تساؤلات عندما تدفق الناخبون إلى مراكز الاقتراع في المساء عن وجهة التصويت البلدي لناخبي كل من الحزب العربي الديمقراطي وحركة التوحيد الإسلامي وغيرهما فالمعنى المستنبط من تعليمات التصويت الاختياري وترك حرية الاختيار في البلدية كان يعني توجيه صفعة للقوى التي قررت الإقصاء بحق تلك الأطراف وهو ما دفع البعض لافتراض أن رسالة قاسية وجهت عبر التصويت للائحة ريفي.

تكفل خطاب الوزير المستقيل الناقد بشدة لزعامة الحريري باستقطاب الساخطين من جمهور المستقبل إضافة إلى قوة شعبية منظمة تشكلت حوله راكمها خلال سنوات بخطابه المتطرف والتصعيدي وتضاعفت منذ ارتفاع صوته الرافض لسياسة زعيم التيار الذي ما انفك يؤكد تمسكه بالانتماء إليه منذ استقالته من الحكومة واتساع الهوة السياسية بينهما.

الشارع الطرابلسي تميز تاريخيا بنزعتي التمرد والقلق السياسي وهو يتشكل من جمهور فقير عانى طويلا من التهميش والإهمال وخيبة الوعود الانتخابية وقد ذهب في عواطفه صوب زعامة اللواء أشرف ريفي الذي يستخدم لغة شعبوية ويحاكم نهج قيادة المستقبل متمسكا بشعاراتها المتطرفة التي تحاول الخروج منها وبخصوماتها التي تسعى إلى طيها في صراع يوحي اللواء أشرف ريفي لمناصريه انه لم ينته ويجدد عزمه على المضي به قدما بينما تشير الوقائع العنيدة إلى ارتفاع كلفة هذا التوجه وخلافا لبعض التوقعات فقد حاول ريفي خلال اليوم الانتخابي أن يوجه رسائل سياسية غير تناحرية إلى خصومه في المدينة وكان لافتا كلامه عن اهالي جبل محسن وإشادته بهم كأنما توسل التطرف لحجز مقعده القيادي المحسوم بنتيجة الانتخابات وحاول الإيحاء من موقع ما انجزه باستعداد للانفتاح داخل المدينة بما في ذلك مد يده لزعيم المستقبل الذي طفت تكهنات بتفاهمه مع المملكة السعودية على محاصرة ريفي عشية الانتخابات ومن المبكر توقع ظهور أي مؤشر لسلوكهما بعد النتائج التي ستكون بالتأكيد موضع دراسة لأخذ العبر عند جميع القيادات والقوى المعنية وبدون شك فحاصل الصناديق بالنسبة للواء ريفي هو رسالة موجهة لكل من الرياض وبيت الوسط.

في جميع الجولات الانتخابية البلدية ظهرت حالات تمرد على القيادات الحزبية ولكن ما كشفته الانتخابات البلدية من صدوع وتراجعات بالنسبة لتيار المستقبل كان هو الأبرز والأقوى ورسالة طرابلس هي الأعنف في مجموع رسائل الجمهور الحريري إلى قياداته وثمة في الشمال رسائل اخرى عن العزوف والفشل ظهرت بفوز خصوم المستقبل في بلدات اعتبرت معاقل محسومة واظهرت النتائج قوة رموز وشخصيات تنتمي إلى قوى الثامن من آذار وتراجع رموز حريرية رئيسية تضم نوابا ووزراء شكلوا ركائز نفوذ الحريري ومحور حركته الشمالية.

يرجع البعض هذه الدراما الحريرية إلى شح الأموال ولكن ذلك ليس كافيا لفهم ما يجري فثمة أسباب وعوامل سياسية كثيرة ينبغي أخذها في الاعتبار بالعودة إلى مسارات نهج المستقبل وخيبة وعوده بالتنمية لأهالي مناطق شديدة الفقر وهو الحزب الحاكم العاجز عن التنصل في نظر الناس كما هو القيادة التي شحنت الناس بخطاب متطرف وتريد منهم الانتقال إلى الاعتدال والتحالف مع الخصوم الذين حرضت عليهم وعملت على شطبهم لسنوات وحقنت الشارع ضدهم وهي تتحالف معهم بعد فشل مغامراتها من غير ان تقدم نقدا ذاتيا واحدا عن أخطائها وممارساتها وعن الكلفة الكبيرة التي رتبتها على جمهورها بنتيجة تلك الخيارات والرهانات الخاسرة واللافت ان اللواء ريفي لم يعلن تبنيه لمشروع سياسي يتسع لتلبية حاجات جمهور مسحوق ومتطلب سياسيا ومعيشيا وينتظر بعد التصويت إنجازات حقيقية وليس مجرد احتجاج على زعامات المستقبل وسائر زعماء طرابلس أوالتزام بمواصلة حروب يتمنى الناس طي صفحتها والتخلص من ندوب جراحها الكثيرة أوعلى الأقل معرفة مصائر الأبناء الذين أرسلوا إلى أتونها في سورية ولم يعودوا فالخطاب المتطرف ولد موجة داعمة لريفي ولتمرده على الحريري لكنه لا يؤسس واقعيا لحالة مستقرة فالاختبار العملي ينطلق بعد إعلان النتائج امام جبل المشاكل وتحت سيوف المعاناة المؤلمة.

             

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى