بقلم غالب قنديل

تشويه الموقف الروسي

غالب قنديل

بلا انقطاع تفبرك آلة الكذب العالمية شائعات تتناول العلاقات الروسية السورية منذ العام 2012 وانطلاق التفاوض الروسي الأميركي حول الملف السوري وكلما تصاعد الدعم الروسي للجمهورية العربية السورية في مجابهة العدوان الاستعماري وعصابات التوحش ضاعف المفبركون من اكاذيبهم التي تنتشر كالفطر بواسطة الإمبراطوريات الإعلامية الدولية والعربية التي تكرس جهودها وإمكانات ضخمة في الحرب الكونية ضد سورية.

آخر الأكاذيب كان تقرير نشره مركز أميركي لنص قيل إنه مشروع دستور روسي لسورية وبغض النظر عن المضمون الذي يناسب وصفات اميركية لتكريس اضطراب سياسي واجتماعي مديد في سورية وهو مطابق لتوصيات سبق ان قرأناها في محاضر خلوات بحثية اميركية كرست للموضوع السوري وبالطبع من منظور المصالح الأميركية الصهيونية في منع نهوض الدولة السورية واسترجاع مكانتها الإقليمية الفاعلة بهويتها الاستقلالية المقاومة.

اقتضى الأمر يوم أمس نفيا مباشرا من الرئاسة السورية نشر على مواقع التواصل ورفضا للفكرة كلها قطعيا في تصريح للرئيس فلاديمير بوتين وبدا بوضوح شديد ان التسريب المفبرك يهدف مجددا لتشويه طبيعة الدور الروسي وأهدافه ولتظهيره على غير حقيقته بزعم التدخل الروسي المباشر في الشأن السيادي السوري وقد سبق ان سربت نسخة اخرى في المحاولة عندما انتشر كلام كثير عن تبني موسكو لصيغة فدرالية في سورية وفي الحالين يبدو ان الغرب تعمد التسريب المبرمج بوسائل مموهة ليختبر ردود الفعل وتلك تقنيات اميركية تقليدية في المناورة لكن الخطير فيها ان تجد الطريق إلى وسائل إعلام محسوبة على الخندق الوطني وتنتمي جهارا إلى محور المقاومة ومن المستغرب ان الناشرين في هذه الحال لم يوردوا إشارة إلى محاولتهم سؤال الجهات الروسية او السورية الرسمية قبل ان يتبنوا رواية سربت إليهم فاعتبروها سبقا بينما القصد هو إرباك التحالف السوري الروسي وحتى لو توافرت مسودات معينة يجري تداولها بالفعل فالمسؤولية تقضي بقياس المصلحة في النشر قبل شبق السبق.

مما هو أشد خطورة من تلك التسريبات ما تردد من تشكيك وتشويه في التعامل مع السلوك الروسي المتصل بآلية وقف الأعمال القتالية في سورية وما أثير من شبهات حول المصداقية الروسية وقد عممت وسائل الإعلام سيناريوهات عن صفقات وتفاهمات من وراء ظهر القيادة السورية وزرع البعض ومن مواقع عديدة شكوكا مقصودة حول الموقف الروسي وعمموا أقاويل عن تنازلات ومساومات تتعلق كالعادة بموقع ومكانة الرئيس بشار الأسد وبمستقبل سورية وأحاطوا بأسئلة خبيثة علاقات التعاون والشراكة بين روسيا وإيران وبعضهم زعم ان روسيا تقايض اوكرانيا بسورية .

كلما بددت الأحداث كذبة استولدوا غيرها والمؤشرات تضج بالدلالة على زمن ممتد مقبل من الخصومة والصراع بين الولايات المتحدة وروسيا رغم جميع المظاهر الخادعة فالواقع ان واشنطن أرغمت على التسليم بدور روسيا المحوري في العالم كنتيجة لصمود سورية ومحور المقاومة والسياسة الروسية حازمة وصلبة ولكنها تتسم بالدهاء وبالذكاء الاستراتجي في سعيها لقيادة الإدارة الأميركية نحو مزيد من التراجع عن سلوكها العدواني منذ انكفاء اوباما عن التهديد بضرب سورية عام 2013 على يد الرئيس بوتين.

جاء بالأمس مناخ قمة الدول الصناعية السبع المتمسك بالعقوبات المفروضة على روسيا بالذريعة الأوكرانية العدوانية إلى جانب التصميم على نشر الدرع الصاروخي ووحدات مقاتلة من الناتو على مقربة من الحدود الروسية ليؤكد استمرار استهداف روسيا واستفزازها مباشرة وهو ما يطرح الاستنتاج بأن موسكو تحتاج إلى منصة ومناسبة للرد الرادع وان المناخ الفعلي لا يوحي بصفقات دولية كما يتوهم البعص او كما يطلب إليهم الإيحاء إلى الراي العام وأي عاقل يجزم بأن حاصل الميدان السوري وتقهقر العدوان على الجمهورية العربية السورية هو عنصر مرجح للفاعلية الروسية ومحفز لنتائجها وثمارها في المواجهة الدائرة ضد الغرب الذي يتخذ مزيدا من التدابير العدائية ويمضي في تهديد روسيا مما يدعوها غلى المزيد من الحزم في صراعها مع الإمبراطورية الأميركية على مستقبل التوازنات العالمية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى