بقلم غالب قنديل

أبعد من استهداف المنار

غالب قنديل

شكلت رسالة شركة نايل سات إلى قناة المنار بيان اعتراف بحقيقة القرار الذي اتخذ بوقف بث المنار ومضمونه العملي ويمكن القول بكلمة إن نشر الرسالة بذاته هو بيان الدفاع الذي يوضح للرأي العام جوهر القضية .

أولا تعرض الرسالة ما اعتبرته مخالفات منسوبة لنشرات اخبار المنار وهي كناية عن بث عدد من التقارير والأخبار عن مقتل اطفال نتيجة الغارات السعودية على اليمن مصدرها منظمة اليونيسيف او تصريحات للمرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب تنتقد الدعم الأميركي للمملكة السعودية أو معالجة القناة في تقرير لما نشرته صحيفة عكاظ السعودية عن لبنان وربما أرادت الشركة من هذه النماذج التي عرضتها رسالتها التصريح ضمنا عن التبرير الذي ردده مدراؤها في الكواليس حول ان قرارها جاء نتيجة ضغط سعودي رضخت له القاهرة وهو ما بات معروفا فإنزال القناة عن القمر المصري بدا متزامنا مع زيارة الملك السعودي التي شهدت توقيع العديد من الاتفاقات الاقتصادية وتوثيقا للعلاقة السياسية بين الحكومتين .

المعنى الأعمق في هذا النموذج هو تعليب الأخيار والمعلومات وإخضاع الفضاء العربي لنهج تطبقه معظم الحكومات العربية في إعلامها وخلافا لكل المزاعم فهي لم تستهدف أيا من قنوات التكفير المنتشرة كالفطر على القمرين عرب سات ونايل سات لكنها توجه رسالة واضحة بنهاية زمن التعايش مع الرسائل الخارجة عن السيطرة التي تحملها بصورة رئيسية قنوات لبنانية في برامجها وتغطياتها الإخبارية والسياسية التي تخرق لوائح ممنوعات كثيرة عبر إفساح المجال لانتقاد السياسة السعودية او نشر ما يزعجها او يخالف توجهاتها وخلف التحرك السعودي آلة هجوم عالمي شامل تقوده الولايات المتحدة من سنوات ضد الرسائل الإعلامية العربية التي تزعج إسرائيل من خلال تعميم ثقافة المقاومة وتغطية اخبار الانتفاضة والمقاومة في فلسطين وإعطائها المساحة الرئيسية في البث الفضائي وهذا ينطبق بصورة رئيسية على قناة المنار وقنوات اخرى مستهدفة سابقا ولاحقا.

ثانيا جهزت العدة القانونية لحملة تعقيم الفضاء وتنميط الرسالة الإعلامية قبل سنوات من خلال وثيقة وزراء الإعلام العرب التي أعطت شركات الأقمار سلطة ليست لها في كل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية الراعية للعملية الإعلامية ففي المنطقة العربية وحدها بات يمكن لشركات تجارية تبيع خدمة البث الفضائي ان تضع القواعد الخاصة بالمحتوى الإعلامي وتحدد المسموح والممنوع بثه في الفضاء العربي بدلا من المرجعيات الناظمة والسلطات السيادية في بلد المصدر الذي ينطلق منه البث الإعلامي واليوم يتحرك في العالم قانون لمعاقبة قناة المقاومة وتقطيع اوردتها من الكونغرس الأميركي صدر معه امر عمليات سياسي يناسب المملكة السعودية التي تستشعر في رسالة المنار الإعلامية خطرا جديا على وضعها المعنوي المختنق بالفشل السياسي في جبهات حروبها الكثيرة في المنطقة وخصوصا في سورية واليمن وهي باتت في وضع حرج يمكن معه لبث تقرير او خبر أو خطاب في ظن قادتها ان يشكل عنصر إزعاج لا يستهان به وهذا ما يقوله السلوك المتوتر للرياض اتجاه لبنان وحزب الله وقناة المنار.

خلاصة القول باتت المؤسسات الإعلامية اللبنانية بعد وقف بث المنار تحت سيف ترهيب كبير ومالم توفر لها الدولة الحماية السيادية وتضمن لها البدائل التقنية فسوف تكون عارية تحت ضغط الخضوع للمعايير التي تمليها شركات الأقمار تحت طائلة الحذف من منصاتها .

ثالثا  رغم الكلام العالي الذي صدر غير مرة في الأشهر الأخيرة عن حماية الإعلام اللبناني لم تتخذ السلطات اللبنانية أي خطوة جدية لاستباق قرار كان متوقعا ومرتقبا قبل أشهر وليس ادل على ضعف الموقف الرسمي من تبرير عدم مناقشة قرار نايل سات في جلسة الحكومة الأخيرة لأنها رفعت قبل بلوغ البند المدرج في جدول الأعمال علما ان القضية بذاتها تستحق جلسة حكومية طارئة وليس مجرد بند في جلسة رفعت نتيجة انفجار خلاف سياسي بين الوزراء على بند إداري متنازع عليه.

ما يشعر سائر القنوات الإعلامية بالخطر انها تبدو مكشوفة كليا ومتروكة ومهددة بتدابير المنع والتعطيل بينما تعيش ازمة نضوب الموارد وتراجع الموازنات الإعلانية وشح التمويل السياسي الذي كانت تحصل عليه في السابق تزحف القيود على ميزاتها التي تغنت بها وأعطتها نكهة خاصة لدى المشاهد العربي وقد باتت مرفوضة ولم تكن موضع شكوى او مضايقة من جانب السلطات العربية لسنوات لكن ما جرى مع قناة المنار هو إعلان لنهاية زمن المساكنة مع هامش الحرية والتعدد الذي يميز العملية الإعلامية في لبنان وهو نموذج لتنميط الرسالة الإعلامية العربية وتعقيمها بما يناسب المصالح السياسية السعودية وضمنا يعلم الجميع ان الهدف المسكوت عنه في كل ما جرى هو إراحة إسرائيل من عنصر القلق الناتج عن تعميم الفضائيات اللبنانية لأخبار ومعلومات كثيرة تواكب الانتفاضة الفلسطينية والمقاومة الجديدة التي لا تزال لغزا محيرا لمجمع الاستخبارات والجيش في كيان العدو وحيث يعمم بعض الإعلام اللبناني ثقافة عن قوة نموذج المقاومة الذي مثله حزب الله من خلال معادلات الردع التي افقدت إسرائيل زمام المبادرة ويعزز تغطية نجاحات محورالمقاومة في التصدي لخطر الإرهاب التكفيري وفي فضح الحكومات الداعمة التي رعته ومولته وامدته بالسلاح وغطته إعلاميا عبر فضائياتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى