بقلم غالب قنديل

أزمة الصحافة اللبنانية

غالب قنديل

ينتحب العديد من كتابنا على مصير الصحافة الورقية الذاهبة إلى وقف إصداراتها ومع التحول القسري نحو النشر الإلكتروني الذي سبق ان احتلت مواقع الصحف فيه مكانة مرموقة بفعل تكيفها مع شروط السرعة في بث الأخبار ولما تمتلكه آلتها التحريرية من كفاءة في التعامل مع الأحداث والمعلومات .

تتبدى في حملات النواح والشكوى موجة الحنين إلى النشر الورقي وتعبيرات علاقة عاطفية بالجرائد اليومية التي يعطيها البعض أوصافا مشحونة بالذكريات والانفعالات كمثل التفنن في وصف رائحة الحبر وملمس الورق وغيرها من رموز التعامل اليومي مع الجريدة كمصدر للخبر والمعلومات وهي المكانة التي اجتاحتها المواقع الإلكترونية بجدارة وبتقنيات سريعة وفعالة يصعب اللحاق بها وحيث تواجه شريحة القراء الكهول صعوبات كثيرة في التعامل مع الأنترنت وتقنيات التواصل الإلكتروني وتشكو ما يمكن تسميته بالأمية الإلكترونية.

الصعوبات التي تعيشها الصحافة المطبوعة مردها إلى مايلي :

         المشكلة التي تواجه الصحافة اللبنانية هي جزء من ظاهرة كونية تواجه الصحافة في سائر دول العالم المعاصر وهي تفرض على الجسم النقابي والمهني في الإعلام اللبناني دراسة الموضوع بعيون فاحصة لابتكار التدابير والإجراءات الممكنة دون معاندة القانون الطبيعي الذي لا يمكن كسره.

         التراجع الكبير في أعداد القراء في ظل الأزمة الاقتصادية التي فرضت تراجع القدرة الشرائية للمواطنين العاديين بحيث بات التخلي عن شراء الصحف نتيجة مباشرة لتقليص الانفاق الشخصي والعائلي وهو ما نتج عنه تحول دراماتيكي في عدد النسخ اليومية التي تصدرها الصحف اللبنانية وتبيعها في السوق.

         تقلص الموازنات الإعلانية المخصصة للصحف من أصل الموازنات الإجمالية الجاري إنفاقها في السوق اللبنانية وهنا تنبغي الإشارة إلى ان عدم تنظيم سوق الإعلان بالقانون الذي نص عليه قانون الإعلام المرئي والمسموع على ضرورة إصداره مما ضيع فرصة ثمينة لترميم مداخيل الصحف الإعلانية فقد نصر بعض أصحاب الصحف القوى الاحتكارية في سوق الإعلان بدلا من تأييد إعادة تنظيم السوق التي حاول المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع تحريكها واصطدم بكارتيل احتكاري جند بعض كبريات الصحف في الدفاع عن هيمنته على السوق في التسعينيات .

         تقلص التمويل السياسي الذي وظف الصحف لحساب قوى إقليمية ومحلية ولتمرير خططها في لبنان والمنطقة ومن الواضح جدا ان هذا التقلص أدى إلى ظهور الأزمة بعدما كان التمويل السياسي مصدرا لمداخيل كبيرة حصلت عليها المؤسسات المرئية والمسموعة والصحف خلافا للقانون وبحيث تحولت وسائل الإعلام إلى منابر وادوات تحريضية في خدمة مشاريع سياسية وأمنية كبرى تديرها اطراف إقليمية ومحلية متعددة .

         بدلا من التحرك بحثا عن حلول موضوعية يمكن عبرها تدعيم القدرة التنافسية للصحف مثل سن تشريعات تنظم توزيع الحصص الإعلانية وتحفز الصحافة وتدعم صناعة الورق المحلية يعمم بعض الإعلاميين خطابا معاديا للإعلام الإلكتروني الذي هو وليد ثورة تكنولوجيا المعلومات وليس نتاج مؤامرة كونية على الورق والطباعة والجرائد.

         إن الركود الاقتصادي في العالم والمنطقة هو أحد اهم أسباب الشح المالي الذي تشكو منه وسائل الإعلام اللبنانية وهو نتاج لحالة طويلة الأمد لا فرص ظاهرة للخروج منها في وقت قريب وحيث ينبغي التفتيش عن فرص التكيف المتاحة وتحديد التدابير التي يمكن لوسائل الإعلام ان تطالب الدولة باتخاذها لتستطيع خوض معارك البقاء المفروضة عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى