بقلم غالب قنديل

التصعيد السعودي إلى اين ؟

s3odeyye nafet

غالب قنديل

يشي توقيت القرارات السعودية الخليجية الضاغطة على لبنان بدوافع تتخطي ما جرى تداوله عن عتب على بعص التصريحات والبيانات الصادرة عن رئيس الحكومة ووزير الخارجية اللذين لم يقصرا مطلقا في احترام ما نص عليه البيان الوزاري ومراعاة التوازنات الإقليمية والمحلية الحرجة بتعابير وصياغات سياسية حذرة تضمن الحفاظ على الحد الممكن من استمرارية العمل الحكومي ومن الاستقرار اللبناني الهش في زمن تطاحن دولي وإقليمي كبير على مساحة المنطقة وفي ظل تجاذب داخلي ساخن سياسيا يواكب مخاض المعادلات الكبرى.

من المسلم به أن هذا السلوك اللبناني المتحفظ تفرضه توازنات البلاد الداخلية وضرورات الاستقرار اللبناني التي طالما تغنى المسؤولون في الخليج والسعودية خصوصا بأولوية الحرص عليها ، وفي السنوات الماضية كانت المملكة السعودية تلاقي بالقبول والرضا الحد الممكن من المجاراة اللبنانية لمواقفها خصوصا منذ تشكيل حكومة الرئيس سلام التي شاركت في تكوينها ورعاية بيانها الوزاري مع الإدارة الأميركية ومن خلال السفير ديفيد هيل الذي زار الرياض مرات ومرات لهندسة التفاصيل والنصوص.

دفعة واحدة ظهرت المملكة في موقع إعلان الحرب على الحكومة اللبنانية التي لم تخدش واقع العلاقات اللبنانية السعودية ويبدو من التدابير السعودية أن المطلوب تغيير في السلوك اللبناني وأعرافه بتبني خصومات المملكة وحروبها اليائسة والمتعددة في اكثر من بلد عربي وما تمليه يبدو دعوة مفتوحة لحرب لبنانية داخلية يجري الاستدراج إليها باخذ قسم من السلطة نحو التصادم مع حزب الله وهذا ما لا يستقيم مع أبسط المصالح اللبنانية فماذا وراء هذه الحملة وهل هي نتيجة لقرار تفجير سياسي وأمني في لبنان ام غطاء لقرار انسحاب من لبنان نتيجة التحولات القاهرة ؟

أولا التوقيت يقيم تلقائيا ربطا وثيقا بين الخطوات السعودية والبيان الأميركي الروسي حول الهدنة في سورية والذي حسم شرعية الدور الذي تقوم به الدولة الوطنية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد في مقاتلة الإرهاب وكرس اعترافا اميركيا صريحا بذلك إلى جانب تكريسه اعترافا موازيا بشرعية أممية معززة لدور شركاء الجيش العربي السوري في الميدان وهو ما يضم إلى وحدات الحملة الروسية “الجوفضائية ” قوات حزب الله ووحدات مستشاري الحرس الثوري الإيراني وفصائل الدفاع الوطني ووحدات المؤازرة الشعبية الأخرى التي تقاتل إلى جانب الجيش السوري بينما وضع الاتفاق آلية ميدانية للفرز بين الجماعات المسلحة التي يمكن المساكنة بينها وبين الجيش واعوانه والفرق الإرهابية التي سوف تستهدف أسوة بداعش وجبهة النصرة.

ثانيا أحبط الاتفاق الروسي الأميركي الرهانات التركية والسعودية على تصعيد التدخل العسكري في سورية بعد صدور مواقف وتصريحات اميركية واضحة بهذا الشأن ظهرت أصداؤها في تركيا مباشرة ولا شك في تفاقم الغيظ السعودي بعد إلزام الولايات المتحدة لأمين عام الجامعة العربية نبيل العربي بإصدار بيان يؤيد التفاهم الروسي الأميركي ويعتبر التدخل العسكري الروسي مشروعا لأنه تم بطلب من الحكومة السورية الشرعية التي وظفت المملكة ثقلها السياسي وموارد مالية ضخمة في خطط فاشلة لإسقاطها على امتداد السنوات الخمس الماضية وهي اليوم عنوان الحل في سورية وغدا شريك كبير في معادلات المنطقة.

ثالثا ما يلوح في الأفق ويجري تداوله في الكواليس السياسية عن تفاهمات روسية أميركية سيجري تنفيذها خلال الأشهر المقبلة تفضي لتثبيت الحضور الروسي والإيراني في بلاد الشام وبالرضى والقبول الأميركي الذي يعززه تكريس بعض المصالح ومواقع النفوذ الأميركية الاقتصادية والسياسية في العراق ولبنان وثمة سيناريوهات كثيرة متداولة في بعض الكواليس عن كون هذه التفاهمات ترجح تراجع النفوذ التركي والسعودي وما تبلغته القيادتان من الحليف الأميركي كان وراء التهديدات العسكرية التي نفتها واشنطن.

رابعا طرح معهد واشنطن التابع للمحافظين الجدد ووثيق الصلة باللوبي الصهيوني إيباك مشروعا لسيناريو رد سعودي على حملة تحرير حلب التي برزت مؤشراتها مؤخرا ولترجمة رفض المملكة للاتفاق الروسي الأميركي من خلال التفجير في الشمال اللبناني وهو ما ظهرت مؤشرات عديدة تدعو إلى الشك باحتمال وروده مما يضع على هذا الأساس حملة التدابير السعودية والخليجية في سياق خط تفجيري ينطلق من لبنان ويقحم فيه بالمغامرة حلفاء المملكة والمرتبطون بها انطلاقا من تعطيل الحكومة وشلها واستئناف احتضان الجماعات الإرهابية المؤهلة لفتح خطوط الاشتباك على مقربة من الحدود السورية .

التصعيد السياسي والإعلامي والتدابير المستعجلة والحملات الداخلية يقابلها برود اعصاب واضح في الجهة المقابلة حيث تابعت قوى 8 آذار التعامل بهدوء ومن غير اي توتر ودون مجاراة التصعيد والتطرف في التعبير عن الخصومات والخلافات المحلية ورغم عنف اللهجة التي يعتمدها تيار المستقبل وبعض حلفائه في مهاجمة حزب الله يبدو ان خطوط التواصل عبر الحكومة وخارجها سوف تستمر بانتظار جلاء الخطوة التالية التي تترنح بين التفجير او الانكفاء بعد التدمير البارد الممكن.

الأكيد ان هذه الأزمة لا تعالج بالتسول السياسي ولا يمكن تجاوزها بإدارة الظهر وإغماض العيون وهي تستدعي تعاملا مدروسا يضع في الحساب أسوأ الاحتمالات ولا يفرط بالكرامة الوطنية والمصالح العليا تحت أي اعتبار .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى